حياة مسرحية لا تكافئ الجدارة

حياة مسرحية لا تكافئ الجدارة

02 فبراير 2015
"من أجل نعم/ من أجل لا"
+ الخط -

"الحياة لا تكافئ الجدارة"، جملة تقولها الشخصية الرئيسية في رواية "الإحساس بنهاية" للروائي الإنجليزي جوليان بارنس. وقد تكون إحدى العبارات التي تخطر لمتلقٍ بعد الانتهاء من مشاهدة مسرحية "من أجل نعم من أجل لا" التي كان آخر عروضها السبت على خشبة "بابل" في بيروت وهي من إخراج مجد فضة وتمثيله إلى جانب كامل نجمة وفرح دبيّات.

نرى على خشبة المسرح طاولة وكرسيين. يجلس "عبدو" بكرشه وبقميصه الداخلي وخفه المنزلي، فيما يجلس صديقه القديم "سلام" على الكرسي الآخر مكتمل الأناقة. سلام في منزل عبدو ليعرف منه سبب الجفاء الذي يبادره به الأخير رغم الصداقة القديمة الحميمة التي تجمعهما.

يكتشف سلام أن السبب في غاية التفاهة، لكنه رغم تفاهته تمكن من أن يحمل المشاعر السلبية المخبوءة التي يكشفها كل منهما للآخر، وأن يساعد في تهاوي مستقبل العلاقة بين الصديقين.

في هذه السينوغرافيا المتقشفة أُلقي عبء التعبير كلّه على أدوات الممثلين، الذين استطاع ثلاثتهم، معظم وقت العرض، الاستحواذ على انتباه الجمهور في عرض اقتربت أركانه من الاكتمال بإيقاع متماسك معظم الأحيان، وبأداء يكاد يكون مقنعاً.

لكن لحظة، هناك أيضاً ما ينغّص النجاح ويجعل "من أجل نعم/من أجل لا" عرضاً جيداً وليس عادياً، ولكن ليس مدهشاً أيضاً.

المشكلة ليست في العرض، وليست في النص. المشكلة تلخصها عبارة "الحياة لا تكافئ الجدارة". فريق العرض هذا مثال على عدد، ليس بقليل، من المسرحيين الشباب في سورية ودول اللجوء، الذين يبحثون عن مكان للعرض وجهة للدعم من دون خبرة كبيرة.

الفنان الذي يسعى بكل حبّه للمسرح إلى أن يقدّم عرضاً جديراً، يقضي عاماً كاملاً في كتابة طلبات التمويل، ثم انتظار الرد، فإن كان بالقبول يبدأ في أخذ الموافقات الأمنية، ومن ثم الانتظار من جديد. أي صاحب مشروع مسرحي ولا يعرف إن كان ثمة خشبة ستستقبل عمله، أو إن كانت الرقابة ستصادق على النص وتقبل به. وما إن تحدث المعجزة ويصل إلى أول يوم من التدريبات يكون منهكاً من الحياة التي لا تكافئ الجدارة.

في المسرحية يقول "عبدو" الذي كان شاعراً ذات يوم، وقرّر أن يبتعد عن الشعر، وعن الحياة: "افتح الأدراج، فتّش الخزانة، لن تجد ورقة واحدة.. لا مسودة.. ولا أي محاولة بسيطة". هذه هي الروح الانسحابية المهيمنة الآن على كثير من المسرحيين السوريين، إنها من صنيع السلطة وروتين الجهات الممولة القاتل، ولن ننسى كذلك عدوانية النقد.

ورغم الملاحظات الكثيرة على عرض "من أجل نعم/من أجل لا"، خصوصاً في ما يتعلق بالأداء الذي تراجع في مواضع مختلفة، كيف لا يمكننا أن نقول: طوبى لمن لا ينسحب رغم كل الحواجز والعقبات والخيبات، طوبى لمن يبحث ويتعب ليقدم شيئاً جميلاً في فوضى القبح التي نعيشها، طوبى لمن يخرج من عرضه المسرحي نصف منتصر، نصف منكسر، ولكنه مبتسم.

المساهمون