الآن أنفّذ وصيّتك

الآن أنفّذ وصيّتك

18 فبراير 2015
شهيرة مع أُنسي الحاج في مكتبه
+ الخط -

حدّثني عنك. سأجمع كلماتي وأضعها في حقيبة، لن تفلت مني هذه المرة، كعادتي في الطريق إليك. وضبتها واحدة تلو أخرى. سأستعيد النور في عينيك، وصوت ضحكاتك.

أخطفك من زوارك الكُثر، ونذهب إلى مكانك المفضل. لن أُسرع وأُخيفك هذه المرّة. ولن أُضيّع شارع بيتك للمرة الألف. سأحدّثك عن قبلة أرّختُها في دفتري، وميثاق بين التراب والريح؛ وبين شجرة عتيقة وعصفور جريح. سأُحدّثك عن مجنون حضر طيفك في عينيه، وآلام ولادة جديدة، وخطايا بيضاء. تلك تنبوءاتك الحاضرة.

حدّثني عنك‫.‬ حدّثني عن ليلك الطويل‫، وخوفك من ظلامه، وخشيتك من أن تأمن له، فتغفو ويخطفك. حدّثني عن رسولتك وقديستك المليئة بالخطايا. عن الحب وصوت فيروز وعشق أفروديت. وعن تلك المرأة التي أردت أن تخطفها. "إنها لي، كُلّها لي"، قلتها في سرّك.

حدّثني عن جيش أصوات أم كلثوم الذي أخافك وهربت منه زمناً حتى استسلمت له في النهاية. عن رحلة إلى حب لم تجده. ووجدت أن السرّ في الرحلة ذاتها. ‬وفيما تحدّثني، سيمرّ أمام بابك منافق ليلوث أجواء جلستك‫.‬

كان أنسي واثقاً أنّ ذلك المنافق الذي تقمّص شخصية ‫"‬قارئ‫"‬ واندس بين أحبائه هو ‫"‬أحد الزملاء المرموقين‫".‬

لقد شعر في تعليق ذلك المدّعي الذي ينتحل شخصية "مثقف" بطعنة سكّين. ليس لما كتبه، وإنّما لأنّه تسلّل إلى ليله. الليل الذي كان يهرب منه إلى كتبه، ويلتقي قراءه: جوزيّه وحسام وأحمد وهنايا وهيفاء وعايدة وغيرهم كُثر. كان يعرفهم بالأسماء. يحفظ تعليقاتهم وتؤثر فيه.

اندس "القارئ" بينهم وراح يتهمك بالعودة إلى طائفتك وقبيلتك، وراح يحرّض القراء‫.‬ ولعلّ هذا ما دفعك إلى الردّ‫.‬ قلت حينها ‫"‬تجاوبت معه قارئة عزيزة بأسىً صادق أحزنني وأحرجني‫".‬

دفعت بتلك الاتهامات عن نفسك‫.‬ كتبت ‫"‬لستُ أنا مَن له قبيلةٌ وطائفة لأعود إليهما‫... ‫ولست من ‬المرتزقة والمنافقين الذين لم تعنِ لهم القضيّة الفلسطينيّة (ولا أيّ قضيّة) غير كسب جمهورها أو قبض إكراميّاتها‫"‬‫.‬ كنت تعرف المنافق من رنين قهقهته والتواء رقبته وصفّ كلماته‫.‬.

حدّثني عنك. أنت لم ترحل‫.‬ كذبوا حين أخبرونا أنك تعبت‫.‬ حاولت أن تخدعنا بإشارات الرحيل‫.‬ حين رحت تتأمّل النار وهي تلتهم جهاز التبريد في غرفتك‫.‬ والدخان ينتشر حولك، وأنت واقف كالأرز‫.‬ لم تُرِد أن يأتي أحد لإنقاذك‫.‬ أردت أن تنفث روحك لتعانق نار الغرفة‫.‬ لولا ذلك الجار‫.‬

خدعتنا حين أظهرت أنّك توضّب ذكرياتك للرحيل. تلك التي قلت إنّك ظللت تجمعها طوال سنين لتكون رفيقة أيامك الأخيرة. "اغرفوا من الحب ما استطعتم إليه سبيلا. تزوّدوا به ليوم الرحيل"‬، هذا قولك‫.‬

خدعتني أيضاً، حين قلت إنك تُحتضر‫.‬ ووصيتني بالحب‫.‬ وأنك تحبني‫.‬ ولن تيأس‫.‬ وستظل معي، رغم الرحيل، حتى أكسر كل قيد‫.‬

الكتابة فيك عجزٌ. لكنني سأكتبك بكلماتك، لا شيء يُقال عنك أجمل مما قالته عيناك. الآن أنفذ وصيتك.. وأعيش الحب.

* صحافية من أسرة العربي الجديد

المساهمون