أوكتافيو باث.. في مديح حرية الجلّاد

أوكتافيو باث.. في مديح حرية الجلّاد

12 فبراير 2015
باث وبورخيس (تصوير: بولينا لافيستا)
+ الخط -

لقد زاود أوكتافيو باث على الصهاينة أنفسهم حين اعتبر أن القرن العشرين مظلم إلا من بعض لحظات مضيئة من أهمّها تأسيس إسرائيل، وصراعها من أجل بقائها واستقلالها كأُمَّة جديدة، ولحظة أخرى عند توحيد القدس وولادتها الجديدة الحالية من ناحية مدنية وثقافية.

هذا بالضبط ما قاله الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث (نوبل 1990) فور استلامه "جائزة القدس للآداب" في إسرائيل عام 1977، بل كان هذا العنوان هو ما تصدّر صحيفة "الباييس" الإسبانية التي غطّت فعاليات "معرض الكتاب" في القدس المحتلة.

خلال إجابته على الصحافيين الذي وجهوا له أسئلة حول "صورة إسرائيل والشعب اليهودي" في العالم قال باث: "لو كنت يهودياً، لصرت صهيونياً.. الصهيونية ليست عنصرية، ويجب وقف تلك الدعاية الخاصة المعادية للسامية والتي تُساوي ما بين المُصطلحيْن. الصهيونية هي - ببساطة - تعبير فلسفي وتاريخي وسياسي عن تحديد الهوية الذاتية لليهود".

ولسنا نعرف كيف نفسر موقف باث الذي استقال من منصبه الدبلوماسي عام 1968 احتجاجاً على قمع حكومته لطلاب تلاتيلولكو في المكسيك، مؤكداً على موقفه ضدّ الاستبداد ومع الديمقراطية. الديمقراطية التي ألصقها بإسرائيل حين قال: "النضال من أجل إسرائيل هو نضال من أجل الديمقراطية في العالم. وهو ليس شيئاً مثالياً. بل واقعياً وحقيقياً تماماً".

أما عند حصوله على جائزة ثربانتس عام 1981 فقد استرسل باث طويلاً في حديثه عن الحرية، تلك الحرية التي فقدها الشعب الفلسطيني كاملة حين أقامت إسرائيل كيانها الاستعماري على أرضه؛ لكن باث، الشاعر والإنسان الذي يختلط دمه الأوروبي بالدم الهندي للسكان الأصليين في أميركا اللاتينية والذين قُضي على حضارتهم تماماً حين استعمرتهم الإمبريالية الأوروبية؛ سيكون متعاطفاً تماماً مع "حرية إسرائيل" مغمضاً عينيه بعماء كامل عن مكوناتها الاستعمارية القائمة على فعل إبادة بحق الشعب الفلسطيني.

وكان مما قاله في تلك المناسبة: "قَرْنُنا ينتمي لزمن مظلم ولا إنساني. قرن فظيع سيطلُّ عليه المستقبل برعب - هذا إن كان للإنسان مستقبل. لكننا أيضاً كنا شهوداً على لحظات وحلقات منيرة.

واحدة من هذه اللحظات كانت تأسيس إسرائيل، ولحظة أخرى هي الصراع من أجل البقاء واستقلال هذه الأمة الجديدة، ولحظة أخرى عند توحيد القدس وولادتها الجديدة الحالية من ناحية مدنية وثقافية.. لن يحلّ صراع إسرائيل من أجل وجودها واستقلالها في معتقد أو فلسفة سياسية أو اجتماعية. إسرائيل لا تقدم لنا فكرة بل شيئاً أفضل، أكثر حيوية وواقعية: تقدم لنا نموذجاً".

من العجيب أن يخلط باث بين اليهودية كدين ومعتقد وبين إسرائيل التي قامت على أيديولوجيا تطهيرية كاذبة من قبيل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، إذ حَرِيٌّ بنا أن نتساءل كيف لإسرائيل أن تروّج ثقافياً لنفسها وأن تستقطب، تسقط بالأحرى، أسماء لامعة في سماء الأدب وتستعمل أصواتها في تنظيف صورتها من الاحتلال وجرائم الإبادة.

يتابع باث في خلط لا تعرف إن كان مقصوداً أم عن جهل، أو لعله مزيج بين الاثنين: "عدت للتحقق من مطابقة تحركاتي مع أفكاري الموجهة. كنت أعود للأصل، للمكان الذي اقترنت به الكلمة الإنسانية بالربانية في حوار كان بداية الفكرة المزدوجة التي غذّت حضارتنا: فكرة الحرية وفكرة التاريخ.

كلاهما لا تنفصلان عن الكلمة اليهودية، وخصوصاً، في واحدة من اللحظات المركزية لهذه الكلمة: سفر أيوب. الحوار بين أيوب وأصدقائه والرب، شيء ما يبدأ ويُكمل بعد ذلك في أراض ومدن أخرى - أثينا، فلورنسا، باريس، لندن، شيء لم ينته بعد واليوم عاد إلى مكان ولادته: القدس، مدينة الكلمة القديمة التي أصبحت مدينة الحرية".

عُرف عن باث عدم انتمائه لأي من الأحزاب السياسية، مع أنه كان يميل لليمينية منها، في حين كان يوجه نقداً عنيفاً للأحزاب اليسارية في أميركا اللاتينية ما أفقده العديد من الأصدقاء والكتَّاب الذين اختلفوا معه في الكثير من الآراء.

ولعل أبرز ما قال في هذا الصَّدد: "لو وُجد قطاع متفاعل في أميركا اللاتينية فسيكون مثقفي اليسار. هؤلاء الناس ليس لديهم ذاكرة. لم أسمع أن أحداً منهم قد اعترف بخطئه. الماركسية تحولت لرذيلة ثقافية، إنها خرافة القرن".

العام الماضي، وفي سياق الاحتفال بمئوية باث، حضرنا إحدى هذه الاحتفاليات في الهندوراس. ودار نقاش مهمٌّ بعد انتهائها بين بعض الشعراء تمحور حول الشعراء المكسيكيين الأفضل، وكانت مجمل الآراء تصبّ في صالح الشاعر المكسيكي من أصل لبناني خايمي سابينس (صغبيني).

فكرتهم تمحورت حول دور السياسة وألعابها في تقديم الشعراء إلى العالم، وكان من المبهج اعتبارهم شاعراً من أصل عربي الأهم بين شعراء المكسيك. لكن البهجة كانت موشومة بالحزن والعتب على صحافتنا ومؤسساتنا الثقافية التي أهملت كثيراً أدب هؤلاء ولم تهتم إلا بالأدب المصدّر لها من الثقافة الشقراء.

________________________________________________

هؤلاء أيضاً
لا نعرف كيف قبِلَ برتراند راسل أن يكون أول الموصومين بهذه الجائزة عام 1963، وبعده كرّت السبحة وصولاً إلى إسماعيل قدري (الصورة)، "أول مسلم يفوز بها". أسماء آمنت بالفاشية ولا غرابة في قبولها لهكذا جائزة، مثل بورخيس (1967)، وأسماء بعضها كان له وزن واحترام. على "القائمة" 27 "فائزاً" من بينهم: كونديرا وموراكامي ويوسّا وساباتو وآرثر ميللر وسوزان سونتاغ وكوتزيه ونايبول وغراهام غرين ويوجين يونسكو ودو بوفوار. 

المساهمون