عبد القادري: مقامة الرسم بين زمنين

عبد القادري: مقامة الرسم بين زمنين

04 نوفمبر 2015
(من المعرض)
+ الخط -
يجاور الفنان عبد القادري أو يمازج بين لحظتين في تاريخ الفن: لحظة يحيى الواسطي (1054 - 1122) المستنيرة، ولحظة العصر المظلم التي تجلّت في التدمير الهمجي لآثار الحضارات القديمة، أو لكلّ أثر حضاري قام على هذه الأرض (2014 - 2015).

المصادفة وحدها، كما يقول في تقديمه لمعرضه الأخير في "دار الفنون" بالكويت، هي التي وضعت بين يديه أعمال الواسطي ومكّنته من ترميم صورة تشوّهت في خاطره عن حضارة دالت دولتها، ثمّ جاءه حدث ما يسميه "اللحظة المفصلية في تاريخ العالم العربي الحديث"، ويعني تنصيب المدعو أبو بكر البغدادي خليفة على ما تسمّي نفسها "الدولة الإسلامية"، فلم يستطع أن يعزّي نفسه إلا بعمل فني يؤرّخ لهذه اللحظة، سمّاه "المقامة".

كان التناقض واضحاً، بل وصاعقاً، بين صور الواسطي التي تحاكي الحياة والفن، وصور تدمير وتشويه الإرث التاريخي والحضاري في منطقتنا. ولكن ما هو مكان ما يسمّيها "اللحظة المفصلية في تاريخ العالم العربي الحديث" بين هاتين الصورتين؟ اللحظة التي يؤرّخ لها بلوحة المقامة؟

لوحات الواسطي الزاهية التي انشغلت بأحداث زمنه، وأقامت صلة حيوية بين الفن وحياة البشر اليومية، وهي ترافق مقامات الحريري، يأخذها الفنان اللبناني إلى قماش لوحاته، تحية تقدير للواسطي وعصره بكل ما يجسّده من تحرّر وتنوّر، وخلال ذلك، تتسلّل صور الحاضر الهمجية بكل عدوانيتها وإجرامها، إلى سطح لوحاته، على حد تعبيره، من خلال قلم الفحم الذي يشبه تلك الصور بقسوته وهشاشته وآنيته.

هنا، يتراكب الفعلان: الفعل الحضاري والفعل الهمجي، مع إيحاء يُحسن الفنان التعبير عنه حين يربط بين الفعل التدميري وشكل الغبار أو التراب الناتج عن فعل الهدم، وبين ما يخلقه انفعال قلم الفحم وانسحابه السريع على سطح اللوحة، بنفخة واحدة يختفي كل شيء، وكذلك الوجود السياسي والأيديولوجي لتلك الآلة التدميرية.

إذاً، ها هنا لا وجود لـ "لحظة مفصلية" تستحق من الفنان أن يؤرّخ لها، ولكن يبدو أن شيئاً ما وقع في وهمه، إلا أنه سرعان ما تبدّد على وقع مشاهد المطارق الهمجية/ الصهيونية وهي تهوي على آثار حضاراتنا، تماماً كما حدث حين نُهبت متاحف العراق.

قبلها، نُهب المتحف الفلسطيني في القدس (1967)، واقترب "المأجورون" من المتحف المصري بعد أن نفذوا إليه خلال أحداث يناير 2011، فخرج الفنان بهذا السواد الذي لفّ رسوم المقامات المشرقة، وكأن شمس الحضارة لم تغب عن هذا الزمن فقط، بل امتدّ الغياب إلى تلك الشمس في الماضي أيضاً.

هل في هذا تحية للواسطي أم إشارة إلى لحظة الصراع القائمة بين عصر انحطاط عائد وعصر تنوير كاد يبزغ فجره فداهمته قوى الغرب الرأسمالي وفي ركابها الأشباح السوداء المقنّعة، بلافتات وشعارات زائفة؟ هذا المعرض بقدر ما هو تقدير لزمن الحضارة الجميلة، علامة وعي بالغيوم السوداء التي تداهم حاضرنا.



اقرأ أيضاً: تحية حليم.. بعيداً عن غوغل واستعاداته

المساهمون