"كتامة" تاريخ قصير لترجمة ضد التيار

"كتامة" تاريخ قصير لترجمة ضد التيار

28 نوفمبر 2015
خاثينتو وميركادير مؤسسا مجلتي "كتامة" و"المعتمد"
+ الخط -

فرض المستعمِر الفرنسي والإسباني (1912-1056) نفسيهما على المغربِ، وابتكرا تسميةً ملطَّفة هي "نظام الحماية"، فاستفردتْ فرنسا بالمنطقة الوسطى وسمَّتْها المنطقة السلطانية، واستحوذتْ إسبانيا على الشمالية وسمَّتها الخليفية، إضافة إلى الصحراء. ولم يقتصر الوجود الاستعماري الإسباني على الحضور عسكرياً، بل عزَّزَه اقتصادياً وثقافياً أيضاً.

لا شك في أن الشاعر خاثينتو لوبّيث غورخي (1925-2008)، الذي كان يعمل لدى الإدارة الاستعمارية في مدينة مليليَّة، كانت لديه مشاريعه الشخصية هو الآخر، لكن المشروع الكبير لخاثينتو كان أدبيَّا صرفاً، جسّدته مجلّة "كِتامة" الشبيهة بمجلة "المعتمد" التي أسّستها الشاعرة تْرينا مِركادير.

احتضنتْ مجلة "كتامة" كتّاباً ومترجمين من الضفتين؛ إسباناً مثل خْوانْ رامُون خيمينِثْ وبيثنتي ألكسندري (كلاهما حصل على نوبل)، ولويس ثيرنودا، وخوسيه ييرّو، وخراردو دييغو، وليوبولدو دلويس، وآخرين، ومغاربةً كعبد اللطيف الخطيب، ومحمد الصباغ، ومحمد نسيم السرغيني، وعبد الكريم الطَّبال، والتهامي الوَزّاني، إضافة إلى بعض المشارقة من بينهم فدوى طوقان، وطه أبو مسلم، ورياض معلوف، وميخائيل نعيمة، ونزار مؤيّد العظم، وإلياس أبو شبكة، ورشيد أيوب. وبذلك شكَّلتْ "كتامة" إلى جانب مجلة"المعتمد" البوتقة التي انصهرتْ فيها تجارب متنوّعة تراوحت بين التقليدية والحديثة.

نهضت الترجمة في مجلة "كتامة" بدور يُعرَف في نظرية الترجمة بـ"الترجمة الثقافية"، تلك التي حسب هومي بابا "تنزع القداسة عَمَّا يُفترض من تفوّق ثقافي، وتُلحّ في ذاك الفعل نفسه على خصوصيَّةٍ سياقية، وعلى تمييز تاريخي داخل مواقع الأقلية"، لأنها على الرغم من انخراطها في المشروع الاستشراقي، تبَنَّت، على غرار قرينتِها مجلة "المعتمد"، خطاً مغايراً وتصرَّف مؤسّس "كتامة" بطريقة ملتزمة مع الإبداع الأدبي والتقريب بين الثقافات.

وإذا كانت الإمبريالية قد لجأت إلى الترجمةِ باعتبارها مطيَّة للاستعمار، لكي تحمي مصالحها وتضمن إقامتها في البلاد المحتلَّة، فإنَّ "كتامة"، من جهتها، استعملت الترجمة وسيلةً وخطاباً يدعو إلى تبادل ثقافي ليس بين إسبانيا والمغرب فقط، وإنما بين الغرب والشرق متخطِّيةً الأحكامَ المسبقة، في حيِّز الإبداع على الأقل.

هكذا، يُلاحَظ الدَّور المهم الذي نهضتْ به هذه الترجمة الثقافية الخالصة، التي أفلحت في تحاشي التفوّق الثقافي بنزع القداسة عنه، وبالتأكيد على المساواة بين الفريقين في التعاون وشغل فضاءِ الصفحات.

انطلاقاً من هذه النقطة، تتأكَّد أهمية قول هومي بابا، حيث يذهب إلى أنَّ: "الترجمة هي الطبيعة الأدائية للتواصل الثقافي"، ويمكن الادّعاء بأن خاثينتو لوبّيث غورخي تمكّن من تشييد "كتامة" كمشروع ما بعد كولونيالي، بهدفٍ رئيس هو استعادة "لحظة الأندلس"، وهو الحُلم نفسه الذي حرّك مؤسسة "المعتمد" الشاعرة تْرينا مِركادير ومعاونيها إدريس الدَّيوري، ومحمد الصباغ، وآخرين.

لكنْ كيف يُمكن أن نفسِّر غياب المرأة المغربية عن صفحات كتامة؟ لقد كانتْ فيها نساء إسبانيات، كشاعرات بالطبع، وساردات وحتى مترجِمات. لكنَّ المرأة المغربية لا حضور لها باستثناء الحبيبة التي يتوجَّه إليها الشعراء في قصائدهم. لماذا لم يضمن خاثينتو للمغربية حيِّزا في مشروعه على غرار مجلّة "المعتمد"، التي كانت لديها الكاتبة والمترجمة الشهيرة أمينة اللُّوه؟ لماذا لم تكن له على الأقل مترْجِمةٌ مغربية طالَما كانت لديه المترجمة المستعرِبة لِيونور مارتين؟

توافرت "كتامة" على فريق من المترجمين الإسبان (ف. سالْغِيْرو وليونورْ مارتين) والمغاربة (محمد الصباغ، ومحمد العربي الخطابي، وعبد اللطيف الخطيب) وحتى مترجم من تونس (نور الدين صَمُّود). ويبدو أن هذه النخبة كانت تتقاسَم مع خاثينتو الحلم. هكذا رأى الشعراء الشباب المغاربة في "كتامة" نافذة حقيقية على العالَم، إذ كان المغرب قد حُكِمَ عليه جغرافياً وتاريخياً بأن يعزل نفسَه، أو أنْ ينغلق على ذاته حمايةً لها من الآخر الغربي ومن الأتراك.

وعرَّف عبدُ اللطيف الخطيب، المثقف المغربي الذي برَّز بمقالاته وترجماته في العدد السابع لشهر حزيران/ يونيو 1956، بدقة الخطّ الذي يجب أنْ تتَّبعه المجلة بقوله: "سيكون اقتفاء ذلك التوازن في الإنتاج الفكري المختلف غاية محمودة، خصوصاً إذا تعاونت عليه القيم الثقافية المتكاملة دائما وإنِ اختلفتْ". وربما أنّ الترجمة هي الوسيلة التي ضمنت التوازن المذكور.


اقرأ أيضاً: من جاكلين ديفيد إلى زكية داود 

دلالات

المساهمون