"بلازون" لمروان رشماوي: بيروت كما هي الآن

"بلازون" لمروان رشماوي: بيروت كما هي الآن

25 نوفمبر 2015
(أعلام "بلازون" في مقر "أشكال ألوان")
+ الخط -

كاريزما بيروت، تعبيرٌ يبدو حقيقياً ووهمياً في آن. لكن هذا التناقض بحد ذاته، يجعل من التفكير في استكشاف هذه الكاريزما محط اهتمام فنانيها، أو كثير منهم. بيروت دائماً تقترح عليهم موضوعاً؛ حربها، عمارتها، نفاياتها، ماضيها، ستينياتها، عنفها وغيرها من قائمة الثيمات التي يمكن أن تغري المنشغلين بالفنون المعاصرة، لكثرة ما تقدّم من اقتراحات.

تحت عنوان "بلازون"، يعرض مروان رشماوي حالياً، في مقر جمعية "أشكال ألوان"، جزءاً من عمله "النحتي"، كما يصفه، وسيعرضه قريباً كاملاً في غاليري "صفير زملر" في بيروت.

إنه أحد الفنانين الكثر الذين اشتغلوا أكثر من عمل عن المدينة، ربما يكون أشهرها خريطة بيروت التي صنعها من الكاوتشوك، وكذلك عمل يعقوبيان. ولكن ما الذي تحاول الأعمال الفنية التي قُدّمت في العقد الأخير أن تفعل؟ منها ما حاول إعادة تخيّلها أو تخطيطها أو تجميلها.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول "لم أفكر يوماً في كيف أريد لبيروت أن تكون، أنا مهتم بكيف هي الآن. أعتقد أنه من الصعب أن نضع تصوّراً لبيروت كما نريدها، الأمر بهذه الطريقة فاشي، المدينة مميزة بالتناقضات، وهي التي تميزها عن أي مكان آخر، حيث التناقضات نفسها قد تشلّ الحركة".

ومن أسباب كاريزما المدينة غير المفهومة أو "الميتافيزيقية" كما تبدو، وفقاً لرشماوي، انطلق الفنان في قراءة تاريخها من الحقبة اليونانية حتى العصر الحديث، وكيف أصبحت مدينة بيئة تجارية، وكيف أصبحت مع الوقت مدينة المكان الذي يستقبل لاجئين من كل المناطق، هاربين من حروب دينية أو طائفية لـ "يتلبننوا" مع الوقت.

لكن بيروت ظلّت مدينة ذات عقلية تجارية، وهو الأمر الذي وسمها بأن تكون متخفّفة من كثير من القيود ومنفتحة على كل الاحتمالات.

مشروع "بلازون" يتعلّق ببيروت بشكلها الحديث، يقول رشماوي "نحن كلبنانيين نعيش متأهّبين، نسمع الأخبار قبل الخروج من البيت ونتوقّع كل شيء وأي شيء، الأمر الذي جعلني أفكّر أننا عسكر نعيش في حالة تأهّب طيلة الوقت".

من هنا، قرّر رشماوي أخذ المدينة الإدارية وحدودها من النهر إلى راس بيروت وحتى المدينة الرياضية، ثم اختار تقسيم شركة كهرباء لبنان لأن أسماء المناطق مكتوبة بوضوح وفقاً لهذا التقسيم، حيث مناطق بيروت مسمّاة عادة وفقاً لأسماء عائلات أسّستها مثل "السيوفي"، "الجعيتاوي"، "سليم سلام"، "سرسق"، أو وفقاً لأسماء نباتات مثل "عين التينة" أو "الجميزة"، أو أسماء شخصيات مثل "بليس" و"سبيرز"، أو وفقاً لشكل المكان مثل "وطى المصيطبة".

استفاد رشماوي من هذه المناطق التي يصل عددها إلى الستين، لكي يتخيّل كل واحدة منها فرقة عسكرية. وكل فرقة لها ضابط على شكل "درع حديد" يحمل شخصية المنطقة، وخلف كل ضابط العناصرُ التي تشكّل هذه المنطقة، لكل عنصر علم بلون الفرقة.

لذلك، فإن سينوغرافيا العمل تتكوّن من مجموعة من الأعلام المعلّقة بألوان مختلفة (قرابة 600 علم)، كل واحدة كُتب عليها اسم المنطقة أو وُضعت عليها صورة شخصية مرّت بالمكان أو سُمّي على اسمها، مثل عبد القادر الجزائري أو بليس.

المتلقّي الذي لا يعرف بيروت وشيئاً من تاريخها، سيفوته الكثير من معاني مشروع رشماوي الذي بدأ العمل على الجانب البحثي منه عام 2006. سيتلقّى الفكرة العامة لـ "بلازون"، مثل: تقسيم المناطق والروح العسكرية والعلم ورمزيته وعلاقته بالهيمنة على بقعة ما، أي أن ما يصله سيكون المعنى التجريدي من بين الاحتمالات التي يتضمّنها العمل.

عن ذلك يقول: "التفاصيل تعطي متعة جديدة لفهم العمل، ولكن الفنان يضع اتجاهات كثيرة ويستبعد أخرى، وعادةً يسير المتلقي في واحدة من هذه الاتجاهات".

يميل رشماوي، عموماً، إلى استبعاد الإنسان كحضور مباشر من العمل الفني، مفضّلاً الاشتغال على أثره في المكان. عن هذا الخيار المكرّر يوضح "لم يكن الأمر مقصوداً، عدت من نيويورك في 1993 ووجدت أن العالم الذي كنت أعرفه في بيروت اختفى، وأنني في نيويورك كنت أشتغل أعمالاً عن الحنين لذلك العالم".

هذه المفارقة جعلت الفنان اللبناني يستكشف خيارات متعدّدة للاشتغال عليها، يبيّن "وجدتني أسير في هذا الاتجاه أكثر من غيره مع الوقت".

في تلك الفترة، بدأت "مشاريع إعمار بيروت"؛ الموضوع الذي أثّر في رشماوي، فقرّر إنجاز عدّة أعمال مستخدماً الإسمنت كمادة خام، لأن الموتيف (المساحات الحضرية) الذي يشغله مصنوع أصلاً من هذه المادة.

كان ما ينتجه رشماوي هي أعمال تُعلَّق على الحائط فعلاً، لكنها ليست لوحة كما أنها ليست منحوتة، لأنها لا يمكن أن تكون قائمة على الأرض. يقول "من هنا أدركت أني أميل إلى نوع من العمل يحمل شيئاً من منطق اللوحة ومن منطق المنحوتة".

رشماوي بدأ رساماً، لكنه توقّف عن الرسم، لا بهدف التخطيط للعمل وفهم "أطلسه" الخاص. يقول "الرسم لم يعد كافياً لقول الكثير من الأشياء، لكنه مهم لنفهم كيف نقولها ونبنيها".



اقرأ أيضاً: رين متري.. إحداثيات خريطة الخوف اللبنانية

دلالات

المساهمون