عبد الكريم مجدل بك: على حائط المنفى

عبد الكريم مجدل بك: على حائط المنفى

16 نوفمبر 2015
(مقطع من إحدى لوحات المعرض)
+ الخط -

يشكّل العنصر البشري مُعطى أساسياً في معظم ما يعمل عليه التشكيليون السوريون، خصوصاً في الأعوام الأخيرة؛ حيث تسيطر الوجوه والأجساد على الأعمال، بتصوّرات مختلفة يقترحها الفنان ضمن أسلوبه وخصوصية رؤيته التشكيلية.

الأمر نفسه تكرّر بشكل ما في التجربة التشكيلية العراقية؛ إذ صار للفنانين في منافيهم منظورٌ آخر، يتعلّق بانعكاس صورة اللاجئ على جدران شوارع المدن التي ذهب إليها، كما نلاحظ في تجارب عديدة، منها تجربتا رياض نعمة وكريم رسن.

لم يكن الجدار حاضراً بكثرة في أعمال السوريين، أو على الأقلّ، كانت جدران المدن السورية هي الأكثر حضوراً، كما نلاحظ في أعمال تمّام عزام مثلاً. الآن، وبعد موجات لجوء السوريين إلى مختلف البلدان الأوروبية، صار الجدار يحضر أكثر في لوحاتهم، كما نُلاحظ في معرض التشكيلي عبد الكريم مجدل بك (1973) الذي يُقام في "غاليري أيام" في دبي، ويستمر حتى نهاية العام الجاري، بعنوان "قلبٌ على جدار".

ليس الجدار، في الواقع، سوى كتلة إسمنتية صامتة وباردة، تُشيّد لتكون حواجز وحدوداً تفصل المباني عن بعضها وعن الشوارع. كيف يمكن للقلب أن يُعلَّق عليها، إلّا إن كان لها وظيفة أخرى غير الفصل والحجز؟ في لوحات مجدل بك، نرى الجدران بألوان تختلف تدرّجاتها، بين تلك الباردة والحارّة، وكلّ جدارٍ تحوّل إلى سجلّ، أو صفحة، عليها طبقات من الألوان والعبارات والصور والمُلصقات.

هكذا، تُتيح الجدران في المنافي للعابرين أن يكتبوا عليها ذكرياتهم، ويوميّاتهم، مستعيدين عبارات شعريّة مثلاً، أو كلاماً عن بلادهم التي أُجبروا على مغادرتها، أو وصفاً لحالتهم الجديدة في منافيهم. يتحوّل الجدار في أعمال مجدل بك إلى ما يُشبه دفتراً تُدوّن عليه كل هذه الأشياء.

مواد مختلطة على قماش، 120 × 120 سم، 2015


في اللوحات المعروضة، نقرأ كلمات مثل "كوابيس" و"بلد..." و"شوارع"، إضافة إلى أشكال غريبة وخطوط وأرقام وقلوب وأوراق ملصقة وطوابع بريدية وأحرف بالإنجليزية.. وكثير من التفاصيل المُحتشدة داخل الإطار، كلّها تُعبّر عن ما يجول في ذهن وشعور من مرّ منها، من دون تنظيم محدّد؛ إذ تظهر سمة الارتجال على لوحات الفنان؛ الارتجال الذي ينبع من العفويّة التي تنتاب العابر في تلك اللحظة؛ وكأن من خطّ كل هذا على الجدار، قد أسلم نفسه وقلبه إليه، مانحاً لاوعيه الحرية في أن يقول ما يريد، فلن يراقبه أحد بعد الآن، خصوصاً عندما يكتب عبارات احتجاجية مثلاً، قلّما شاهدناها على الجدران في شوارع سورية.

في مصر مثلاً، تمتلئ جدران الشوارع الرئيسية في القاهرة بالرسومات والكتابات، ما يسمح لنا أن نجمّع عدداً كبيراً لأعمال الغرافيتي، بعكس سورية التي لم تهدأ شوارعها حتى اليوم، ولم يتمكّن أهلها من التعبير عن احتجاجاتهم على الجدران الآيلة إلى السقوط في أيّ لحظة؛ ما جعل مجدل بك، ربّما، يستعيض عنها في أعماله.


اقرأ أيضاً: كريم رسن: جدران من المهجر

المساهمون