"تدمير الفن" لـ داريو غامبوني: حداثيون ومخرّبون

"تدمير الفن" لـ داريو غامبوني: حداثيون ومخرّبون

15 أكتوبر 2015
تمثال لينين بعد خلعه في العاصمة اللتوانية (جيرار فويه)
+ الخط -

في مقابلة معه عام 1934، نصح الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب (1887 - 1968) باستخدام لوحة لـ رامبرانت كطاولة لكيّ الملابس. في الفترة نفسها تقريباً، سُحبت لوحة جدارية للفنان المكسيكي دييغو ريفيرا من بهو ناطحة سحابٍ في نيويورك بحجة أنها مغرقة في الشيوعية.

في عام 1972، حاول شاب هنغاري، تخريب تمثال "المنتحبة" لـ مايكل أنجلو، باستخدام مطرقة، مدّعياً أنه المسيح. بداية التسعينيات، قام فنّان عاطل عن العمل، يُدعى مارك بريدجر، بسكب حبر أسود على عمل للفنان البريطاني داميان هيرست.

وفي عام 2001، فجّرت حركة "طالبان" تمثالي بوذا في باميان مستخدمةً الديناميت. العام الماضي، اعتدى مخرّبون على شجرة الفنان الأميركي بول ماكارثي المنطادية في "ساحة الفاندوم" في باريس، بحجة أنها استفزازية، لكونها تحاكي شكل لعبة جنسية.

الشهر الفائت، قام مجهولون، للمرة الثانية، بكتابة عبارات عنصرية على عمل نحتي في حديقة "قصر فرساي" في فرنسا للنحّات البريطاني من أصول هندية، أنيش كابور، بينما يتابع العالم ما يقوم به تنظيم "داعش" من تدمير لآثار العراق وسورية، كان آخرها تفجير معبد بُل في تدمر التي يحتلّها منذ أكثر من أربعة أشهر.

تبدو تلك الحوادث متباعدة ومختلفة من حيث الظروف والدوافع. لكنها تجتمع تحت عنوان واحد هو تدمير الفن، والذي كان موضوع كتاب للمؤرّخ الفني السويسري داريو غامبوني (1954) بعنوان "تدمير الفن، محاربة الأيقونات والتخريب منذ الثورة الفرنسية"، والذي تُرجم مؤخّراً إلى اللغة الفرنسية، بعد أن صدرت نسخته الأولى بالإنجليزية عام 1997، وتُرجم لاحقاً إلى الألمانية والإسبانية.

بعد انتهائه من الدراسة في "جامعة لوزان" في سويسرا و"المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية" في باريس، الفترة التي أفضت إلى تقديم أطروحته "القلم والفرشاة، أوديلون ريدون والعلاقة بين الفن والأدب"، عُيّن غامبوني أستاذاً في تاريخ الفن في جامعة ليون في فرنسا. شغل مناصب مماثلة في جامعات كليفلاند وأمستردام، ليستقر منذ عام 2004 في جامعة جنيف.

خلال هذه الفترة، ألّف العديد من الدراسات والأبحاث، إلاّ أن كتاب "تدمير الفن" حظي بمكانة خاصة وانتشار واسع، كونه أوّل دراسة منهجية تاريخية تبحث في مفهوم تدمير الفن.

بدأت فكرة الكتاب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989، وما لحق به من تخريبٍ للآثار الشيوعية، فحاول إثبات أن فكرة تدمير الصورة أو الأيقونة لا ترتبط بالضرورة بالماضي.

 تقدّم الدراسة نظرة عامة حول هذا المفهوم، والهجمات التي طاولت الأعمال الفنية والممتلكات الثقافية عبر العالم، من خلال البحث عن القواسم المشتركة بين عدد من الحوادث المتفرّقة، وأيضاً ما يميّزها عن بعضها، مستنداً إلى بيانات تطبيقية، ومستعيناً بالعديد من التخصّصات، كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الجريمة.

يدرس الكتاب كلّ حالة من خلال الإحاطة بظروفها السياسية والاجتماعية ومدى تعقيدها وتعدّد الجهات الفاعلة. كما يخصّص حيّزاً للدمار المترتّب عن عمل السلطات ورجال الأعمال وحتى المعماريين أو مخطّطي "التخريب الجميل"، وأيضاً الاعتداءات مجهولة المصدر، التي تحدث في الفضاءات الخارجية أو داخل المتاحف، في محاولة لفهم الدوافع التي تقف خلف تلك الأفعال، مبيّناً الفرق بين تحطيم الأيقونات كفعل طوعي ذي "دوافع إيمانية"، وبين أنواع أخرى من التخريب.

كما يشير إلى تلك العلاقات المتناقضة والغامضة أحياناً، بين تطوّر الفن والدعوة إلى التخريب بوصفه حداثة. كما في أعمال الرسام غوستاف ميتزجر الذي يستخدم مادة الأسيد المذيبة في الرسم.

يعود الباحث إلى فترة "حرب الصور" أو "حرب الأيقونات" الممتدّة بين عامي 726 و843، في الإمبراطورية البيزنطية؛ حيث ظهرت حركة دينية مناهضة لعبادة الصوَر هدفها تحطيم التماثيل والتصويرات الدينية المقدّسة في الكنائس، ليعرّج، بعدها، على الفترة الاستعمارية وما لحق فيها من دمار للفنون المحلية البدائية، سواءً في أميركا أو أفريقيا.

كما يتطرّق إلى فترة الثورة الفرنسية كلحظة مؤسّسة ومفصلية في التاريخ، مستحضراً مثالاً عن المالك الأول لسجن الباستيل بعد تحريره سنة 1789، والذي قرّر بيع أحجاره كتذكارات، مقارناً ذلك بحوادث مشابهة في التاريخ المعاصر، كبيع شظايا جدار برلين للسيّاح بعد إزالته.

يورد الباحث أمثلة عن مفهوم التخريب لدى الأنظمة الشمولية، كالمعرض الذي أُقيم في ميونخ عام 1937، والذي أسماه وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز بـ "الفن المنحط"، في إطار الحرب ضدّ التيارات الفنية الطليعية، كالتعبيرية الألمانية، والتي استهدفت كلّ ما يقع خارج الفن الرسمي الذي يمجّد النازية.

بالإمكان اعتبار كتاب غامبوني "ببليوغرافيا" قابلة للتجدّد والإضافة، لا تساعد على توثيق وفهم الهجمات التي تعرّض ويتعرضّ إليها التراث الثقافي وأبعادها السياسية والاجتماعية فحسب، وإنما تسلط الضوء، أيضاً، على مفهوم التدمير باعتباره جزءاً أساسياً من العملية الإبداعية.


اقرأ أيضاً: منحوتات سيئة السمعة

المساهمون