الفن شاهداً على الحرب: سلاح ضد السلاح

الفن شاهداً على الحرب: سلاح ضد السلاح

18 يناير 2015
ياسر الصافي
+ الخط -

لطالما شكّلت الحرب، بوصفها مصدراً للعنف الجسدي، النفسي والبصري، الموضوعة الأكثر تحريضاً لمخيلة الفنان الغربي. كيف لا؟ وقد شهد القرن الماضي أكثر الحروب شناعة في تاريخ البشرية، الحرب العالمية الأولى والثانية. ورغم اختلاف الأساليب وتتعدُّد أشكال التعبير عن فجاعة الحرب، الفرق بين أعمال أوتو ديكس وبيكاسو مثلاً، يبقى العمل الفني وثيقة بصرية وسلاح احتجاج في وجه العنف العبثي.

في اللوحة العربية، أيضاً، مثّل حضور السلاح وعناصر الحرب الأخرى فعلاً احتجاجياً ضد الحرب. نستثني الأعمال الفنية المنتجة دعماً للقضية الفلسطينية حيث يحضر السلاح بوصفه أداة لمقاومة الاحتلال. أحياناً، لا يبدو استخدام "السلاح" خياراً مقصوداً، واعياً؛ ولكن كيف لفنان يعيش التفاصيل اليومية للحرب أن ينتج فناً خارج هذه البيئة؟ من الصعب، مثلاً، أن تجد في نتاج التشكيلين السوريين، خلال الأربع سنوات الماضية، عملاً لا يحتوي على مفردات الموت والحرب.

تظهر رندا مدّاح (1983) في فيلمها "أفق خفيف" وهي ترتب بيتاً مدمراً من مخلفات العدوان الإسرائيلي عام 1967 على قرية عين فيت في الجولان المحتل مسقط رأس الفنانة. بعد أن تنتهي مدّاح من تنظيف المكان، تقوم بتجهيزه لتضع فوق الطاولة قذيفة بيضاء اللون. صحيح أن الفيلم ليس بحاجة إلى تفصيل إضافي، كالقذيقة، كي يوصل رسالته، غير أن تواجد القذيفة في هذا السياق يعطيها صفة "اليومية" ويجعلها غرضاً عادياً.

"بعض مما تقوله الصورة" لـ رندا مدّاح


في عمل للتشكيلي السوري ياسر الصافي (1976) المنتج عام 2012، يبرز، وسط اللوحة، رجل يحمل بيده مسدساً يهدد فيه الكائنات الأخرى السابحة في فضاء العمل. من الصعوبة أن نعتبر، ضمن سياق الحدث السوري الراهن، عنصر المسدس في لوحة الصافي مجرد مفردة تشكيلية عادية.


"المفكّر الحر" لـ شادي زقزوق
"ليل" لـ عبد الكريم مجدل بك


يحضر المسدس، أيضاً، في أعمال السوري عبد الكريم مجدل بك (1973) كما في لوحة بعنوان "ليل" (2012)، حيث تتوزع مجموعة من المسدسات على رقعة مربعة من اللون الأسود. لم يكن ليتخيل الفنان، الذي اشتغل سابقاً على موضوعة الجدار والأثر، ان تطغى على لوحاته، لاحقاً، أدوات الحرب كالسكاكين، الرصاص والمسدسات.

التشكيلي اللبناني أيمن بعلبكي (1975) والذي أشتهر بلوحاته التي تحاكي الأبنية المدمرة الشاهدة على الحرب الأهلية في وطنه كان قد استخدم في عمل يعود لعام 2004 الخوذ العسكرية ليحفر عليها ويلون بإستخدام ورق الذهب زخارف تزينية.

أما الفنان الفلسطيني شادي زقزوق (1979) فقد ألبس، في رسم بعنوان المفكر الحر 2012، الخوذة العسكرية لرجل شبه عاري يحاكي تمثال المفكر للنحات الفرنسي رودان، وقد ركّب فوقها فروتين من الشعر ليصبح الرجل أشبه بالمهرج.

مفردات الحرب ليست موضوعة طارئة على التشكيل العربي المعاصر وامتدادها قديم ومرتبط بالحالة السياسية الغير مستقرة والحروب العنيفة التي كانت وما زالت تشهدها منطقتنا العربية. قد لا يستطيع الفن أيقاف العنف ولكنه يبقى سلاحاً يوثق ويدين الحرب ويسخر منها.

"أكريليك على القماش 250×180" لـ أيمن بعلبكي

المساهمون