أي وايواي.. الفن الصيني في الإقامة الجبرية

أي وايواي.. الفن الصيني في الإقامة الجبرية

10 يوليو 2014
من أعمال الفنان الصيني
+ الخط -
غاب الفنان الصيني أي وايواي (1957) عن معرضه الضخم الذي يستضيفه متحف بروكلين في نيويورك حتى الثامن من آب/ أغسطس القادم، تحت عنوان "أي وايواي: حسب ماذا؟". ويضم المعرض قرابة خمسين عملاً متنوعاً، تتوزع على طابقين وعلى مساحة 1200 متر مربع، أي ما يعادل خُمس مساحة ملعب كرة قدم.
لم يتمكن الفنان الصيني من حضور افتتاح معرضه أو الإشراف على تحضيره بشكل شخصي لأنه يقبع تحت الإقامة الجبرية، في مدينته بكين، منذ أكثر من ثلاث سنوات. كما أنه ممنوع من إجراء مقابلات مع الصحافة، إضافة إلى سحب أعماله من دور عرض صينية، كما حدث مؤخراً في شنغهاي. فهذا الفنان الذي اختير كمستشار فني لمعماريين سويسريين عملوا على تصميم "ستاد بكين القومي" تحضيراً لأولمبياد 2008، أصبح من أشد المنتقدين لسياسات الحكومة والأوضاع الاجتماعية في الصين.

بدأت حياة أي وايواي منذ طفولته بتجربة المنفى الداخلي، حيث نفيت عائلته عن بكين إلى معسكر عمل عام 1958، وبعدها بعدة سنوات إلى الريف الصيني. كان نفي العائلة بسبب النشاط السياسي اليساري لوالده الشاعر الصيني أي كينغ (1910-1996)، والذي كان واحداً من رواد الشعر الصيني الحديث. درس والده الفنون والأدب في باريس، وشغل بعد عودته من باريس عدة مناصب أكاديمية وصحافية. ولكن نظام ماو (1945-1976) نفاه، عندما أعلن تأييده لحركة "معاداة اليمين" التي استمرت بين عامي 1957-1959، وأعدم فيها نظام ماو أكثر من نصف مليون شخص. بقيت العائلة في المنفى الداخلي ولم يسمح لوالده النشر أو العودة إلى بكين، إلا بعد وفاة ماو عام 1976.

التحق أي وايواي بمعهد السينما في بكين، بعد سنتين من عودة عائلته إلى المدينة. وتمكن من لفت الأنظار له فكان من الفنانين الصينيين الصاعدين. وعرف كأحد مؤسسي حركة "النجوم" للفن الصيني الطليعي. انتقل للدراسة والعيش في الولايات المتحدة عام 1981، وبقي أغلب الوقت في نيويورك. وتركها للعودة والسكن في بكين عند مرض والده عام 1993.


ويترجم أي وايواي إبداعاته بطرق وأدوات فنية عدة: الفيديو والتركيب وصور فوتوغرافية والنحت والخشب والهندسة المعمارية وغيرها. سطع نجمه من خلال مشاريع فنية ضخمة تعتمد على "البساطة" في الفكرة من جهة والرمزية الشديدة والتعقيد في التنفيذ. فكان عمله "بذور عباد الشمس" الذي عرض في لندن عام 2010 من أبرز هذه الأعمال. وتكون العمل من 100 مليون بذرة عباد الشمس مصنوعة باليد من الخزف، حيث عمل عليها في حينه لسنتين ونصف، أكثر من 1600 شخص. واختار أي وايواي بذور عباد الشمس لأن الصينيين اعتمدوا عليها في فترة المجاعة تحت حكم ماو. وأما المئة مليون فكانت ترمز لعدد مستخدمي الإنترنت في الصين عام 2010. وتحدث الفنان في أكثر من فيلم أنجز عنه وفي مقابلات صحافية، عن الأهمية التي يوليها للإنترنت في المساعدة في كسر الحدود الجغرافية والعزل السياسي والاستبداد.

ومن أبرز ما يضمه معرضه الحالي عملاً يتناول الفترة التي اعتقل أثناء أي وايواي لمدة 81 يوماً بحجة التهرّب الضريبي عام 2011. العمل عبارة عن ستة صناديق سوداء حديدية كبيرة ولم يضعها مصممو المعرض داخل الأجنحة التي عرضت أعماله، بل كانت في الباحة الواسعة في مدخل المتحف، يمر بها كل من يزوره بغض النظر عن وجهته.

لا يمكن للزائر أن يرى ما بداخل تلك داخل الصناديق الضخمة، إلا إذا اقترب منها وتسلق قليلاً كي يرى ما في داخلها عن طريق فتحة زجاجية على هيئة شباك. وسرعان ما يشعر الزائر بالاختناق وهو يتنقل بين صندوق وآخر. حيث يكتشف أن هذه الصناديق تحتوي على "مجسمات" لصور لأي وايواي وشرطيين يقفان كالأصنام إلى جانبة، وصنعت باستخدام تقنيات مرايا وزجاج بحيث يبدو عندما ينظر الزائر داخلها، كأنه ينظر داخل زنزانة اعتقال أي وايواي ليكون شاهداً على لحظات في فترة توقيفه لمدة 81 يوماً. وخلالها يقف شرطيان بزيهما العسكري طوال الوقت معه داخل الزنزانة ويراقبانه وينظران إليه عندما يأكل ويشرب ويذهب إلى المرحاض ويستحم وينام... دون أن يُترك للحظة واحدة طوال تلك الفترة. ومن المثير في هذا العمل قدرته القوية على حبس الزائر في الجو الذي عاشه الفنان والتعذيب الشديد والإرهاق النفسي الذي يشعر به السجين دون حتى أن يلمس السجان شعرة واحدة من جسده أو يتحدث معه.

في عمل آخر، تتوسط 73 طناً من قضبان الحديد المستخدمة في البناء المعماري إحدى القاعات، لتشكل سجادة تبدو كأنها خريطة لبلد أو أجساد متراكمة فوق بعضها. وعندما يقترب الزائر من الصور والفيديو المعروض في القاعة يكتشف أن هذه أعمدة استخدمت في بناء المدارس التي انهارت إثر زلزال سيشون عام 2008. راح ضحية الزلزال آنذاك 70 ألف شخص، منهم على الأقل خمسة آلاف تلميذ انهارت عليهم مدرستهم المكونة من أكثر من 700 غرفة تدريس. ويعود انهيار البناية إلى غش وسرقة في مواد البناء. وقد حاولت السلطات الصينية التعتيم على الموضوع في وقتها. في هذا العمل الفني يعيد أي وايواي إلى الذاكرة ذلك الحدث المأساوي ومنظومة الفساد التي تقف وراءه.

يتعامل المعرض مع مواضيع متعلّقة بحرية التعبير والهموم البشرية والقيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية. ولا يركز أي وايواي في أعماله فقط على نقد الوضع السياسي لطبقة حاكمة ومؤسساتها، بل ينتقدها كجزء من منظومة كاملة تؤدي إلى الاضطهاد السياسي والاجتماعي وتقدّس الرموز على حساب القيم الإنسانية.

المساهمون