محمد عيد إبراهيم.. همهمات قصيدة النثر المصرية

محمد عيد إبراهيم.. همهمات قصيدة النثر المصرية

04 يونيو 2014
+ الخط -
استضاف "أتيليه القاهرة" ندوة نقدية حول الشاعر محمد عيد إبراهيم نوقش فيها ديوانه الجديد "خضراء الله" (روافد، 2014). وقدّم الندوة الشاعر عادل جلال وشارك فيها ثلاثة نقّاد: شاكر عبد الحميد وأمجد ريان وفتحي عبد الله.

في البداية، تحدّث الشاعر أمجد ريان عن معالم الديوان فقال: "عيد لديه حساسية مفرطة تجاه اللغة العربية، فهو متأمل دقيق في طبيعتها، وتتردد جمله الفعلية والاسمية بصور سريعة مثل طلقات الرصاص، يتحدى بها سكونية القصيدة القديمة. ويسعى الشاعر إلى تشكيل روح انفعالية متحركة من خلال مونتاج سريع".

وأضاف ريان أن معاني عيد تأتي أحياناً غير مكتملة، كاستخدام مبتدأ بدون خبر، أو معطوف بدون معطوف عليه، مقدّماً بذلك مناورات ومغامرات هدفها خلخلة بنيان اللغة العربية، من منطلق كرهه الثرثرة في اللغة والنحو. ففي قصيدة "حامي اللسان" مثلاً، يورد تساؤلات متكررة تثري الرؤية الشعرية، وترتبط بالقضايا الوجودية. وثمة دلالات متعددة ومتداخلة في قصائده، وتقطيع متصل يستحضر شعريته الخاصة المرتبطة بتجربته.

ولاحظ ريان أيضاً اعتماد عيد على المجاز اللغوي والمجاز المشهدي، حيث تتعدد الدلالة لمواجهة السكون التاريخي للقصيدة، وعلى الثنائية الضدية التي تسمح بدمج الخير والشر، القديم والجديد، ضمن علاقة تفاعلية تقود إلى معان جديدة، كما في قصيدة "قناة العاشق" التي يبدأها بعبارة "كان يا ما كان"، لإظهار العلاقة بين التراث والحداثة.

ولم يفت ريان المعنى الحسيّ، لدى عيد، كشاهد على الحياة، كما في قصيدة "تعيش الرومية" التي تذهب في كل اتجاه، ويغرف الشاعر فيها من التاريخ والفلسفة، ويقتحم الوعي وما دون الوعي، ويرفض الأفكار المسبقة، ويبدأ من جديد. نص يمثّل، في نظر ريان، نقلة مختلفة في الفكر الجمالي والشعري.

من جهته، رأى الشاعر فتحي عبد الله أن عيد هو أحد شعراء الموجة الحداثية الثالثة، وقد انحاز مبكراً إلى قصيدة النثر في أشد اقتراحاتها صعوبة، واهتم بالواقع المعاش في معظم نصوصه لكن بطريقة متعالية تارةً، وفاحشة تارةً أخرى، مثل قصيدة "فاتن المجنونة" التي تقوم على الوقائعية والتفاصيل اليومية. كما اعتمد الشاعر البناء المحكم مستعيناً بأكثر من تقنية، كالتعداد أو الحصر؛ بناء يقوم على التداعي الحر، رغم رغبة الشاعر في السيطرة على جملته بحيث لا تكون متصلة الدلالة أو اللفظة مع ما قبلها أو بعدها، ما يجعل الحصر أو التعداد يظهر وكأنه منفصلاً. وفي هذا السياق، تأتي الجمل بدون ضوابط أحياناً، في تداعٍ غير متوقع، مثل "دورة المروحة".

ويشير عبدالله إلى تقنية ثانية يستثمرها عيد بإفراط وهي سيطرة الجملة الاسمية في ما يشبه الإطلاق والتجريب. إذ تأتي الجمل متتالية لا يربطها غير رغبة الشاعر في خلق مناخ لغوي معين لتوليف دلالة هذا الطقس، كما في "فانتازيا أم البنات". ويحدث هذا نوعاً من التراكم يشوّش على تطوّر الدلالة في بعض القصائد. وبذلك، تمثّل شعرية عيد، رغم تتابعها وتمايزها وتراكمها، هامشاً في التجربة المصرية لعدم اتصالها بالتجارب السابقة وعدم خلقها امتداداً في الموجات اللاحقة.

أما شاكر عبد الحميد فتحدث عن المضمون النفسي في قصائد هذا الديوان، وعن استخدام الشاعر اللغة بطرائق تخرج عن المألوف إلى غير المألوف، كاسراً التوقعات. فالمعنى مؤجل والإشباع مرجأ، ضمن تجارب في اللغة والأصوات واللسانيات، ومحاولات مستميتة لاستكناه أعماق اللغة وجعلها تنطق بما لا تنطق به إلا للعارفين والخارجين عن كل ما هو مطروق أو يسير؛ وكأن عيد يتأمل ذاته من خلال كلماته، التي هي أقرب إلى ما يسمى ما قبل اللغة، أي منطقة الهمهمات والجمجمات والتراتيل.

وفعلاً، يتلاعب الشاعر بالأصوات، بالصوامت والصوائت، بالحركة مع الآخر، بالعلاقات الملتبسة، بالحب والجنس، بحالات من الصمت، وبتغريب المعنى البريختي. وترتبط رمزية اللسان لديه برمزية الفم الذي يرتبط بالكلام والكتابة والنطق. لسان يعود إلى عالم الطفولة. فهناك قصائد أسنانية وقصائد شفاهية تركز على تيمة الشفاه في عملية الامتصاص والرقة واللطافة، مثل شخصية وداد وفاتن ونشيد رعوي.

الشاعر (يسار الصورة) والنقاد في أتيليه القاهرة


وثمة قصائد فيها عنف مع الذات بالمعنى الإبداعي، فالشاعر يعاني مع الصور والكتابة للوصول إلى ابتكار عالم مليء بالتفاصيل والمفردات التي تبدو وكأنها موجودة في نهر الأحلام، نهر أحلام المفردات. لكن الذات الإبداعية تتحرر من الحدود والقيود بالسباحة أو التحليق في عالم الصور، وبفتح بوابات الذاكرة والقراءات واستحضار شخوص مثل لوركا ونيتشه وشولوخوف، ضمن كثافة ثقافية جليّة في الديوان.

ففي قصيدة "حامي اللسان"، نجد علاقة اللسان باللغة والحركة والمرأة والرجل والجمال والجسد والموت. ولأن اللغة بطبيعتها أنثوية بينما الكلام ذكوري، تبقى المرأة على حالها ويغيب الرجل. المرأة هي الحياة والرجل هو الموت، والمرأة هي الشفتان والرجل هو اللسان. وهناك صراع بين الشفتين واللسان عبر الأسنان، ومن خلال هذه المنطقة يأتي العالم الحسّي كما يتذوقه الشاعر ويدركه.

المساهمون