رسالة إلى المهدي المنجرة

رسالة إلى المهدي المنجرة

22 يونيو 2014
"المهدي" وسط الشباب كما أحب أن يكون
+ الخط -

قيل لي إنك لم تطلبْ من الموت ساعة أخرى، لتكتب شيئاً آخرَ، بل طرحتَ مرضك الذي كان يشدّك إلى السرير، وقمتَ بلا خفّين لتفتح له الباب بعينين سماويتين، حتى أنه شكّ في كونه من السماء.

لدخول الموت إلى مخادع الأحياء الحقيقيين حشمة السارق. ترجّيتَه أن يسمح لك بأخذ كتبك، فأعلن عجزَه. يحيّرني الموت إذ يعجز عن أخذ الكتب التي عطستْها الحياة / تحيّرني الحياة إذ تسمح له بالدخول على أولادها الذين أنجبوها.

*

ما أبرد الشايَ هذه الصباحات في الرباط، وما أسخن دموع من عجزوا عن تكريمك في "مهدك"، لأنك رفضت القماط، أوووف.. أرفض أن أقع في ذلِّ السجع وأنا أكتب عنك، مثلما رفضتَ "ذلَّ الديمقراطية"، وأنت تكتب عن "قيمة القيم".

قلتَ: لا قيمة تعلو على قيمة المستقبل، وهو يلوّحُ لنا من شرفةٍ طالما رأيناها بعيدةً، بينما هي ساكنة في الذات.

أخبرني بابا المهدي.. كيف استطعتَ أن تحرّرَ المستقبل فيك، وتعلنه حاكماً شرعياً لأحلامك، وأحلام شعوبٍ عربيةٍ وإفريقةٍ أرهقتها "الإهانة في عهد الميغا إمبريالية".

*

بيَّتُّ أن أزورك، حين زرت مدينتك الجميلة قبل عام. أعلم أنك لا تنكر جمالها في عمقك، مثلما أنكرتْ هي عمق جمالك، لكنهم قالوا لي إنك كنتَ طريح الفراش، ووضعك لا يسمح باستقبال المرضى الحقيقيين، فأردتُ أن أكتب خيبتي/خيبتَك في ومضات شعر، وأدركتُ فوراً أنك أكبرُ من قصيدةٍ تكتب على قارعة سيارة.

*

البرد يسعل والرصيف يرتجف في عزّ الصيف. ما بال فصولنا، باتت لا تأتي خارج الشتاء؟ وما بال نصوصنا، باتت لا تكتب خارج العويل؟ ها أنا أسمعك تهمس لغدٍ لم تكفرْ به يوماً: "الانتفاضة انفجار يحدث حين يبلغ السيل الزبى"، وها إني أرى الغدَ يأتي بطعم الحلم المؤجل منذ قرون. أرجوك لا تغضب مني.. لا تشحْ بوجهك عني، فأنا لا أقترف الشكَّ في الغد، بل أحرّضه على أن يغيّر لونه.

*

تغتصبني قنوات الفضاء المرّ، بأخبار الموت المر. مرارة في الرغيف. مرارة في الرصيف. مرارة في النبيذ. مرارة في الجريدة. مرارة في محافظ الأطفال. مرارة في الوسائد. مرارة في أحمر الشفاه. مرارة في القصائد. مرارة في مواعيد الصلاة. مرارة في المصابيح. مرارة في الكلمات المتقاطعة. مرارة في الفيسبوك.

فعلاً بابا المهدي.. "ثمة ظلم هائل في العالم".



* كاتب جزائري من أسرة العربي الجديد 

دلالات

المساهمون