رسالة إلى ألفرد جاري

رسالة إلى ألفرد جاري

12 مايو 2014
ألفرد جاري (1873-1907)
+ الخط -

جاري الفريد، ألفرِد جاري.
ألفرِد جاري، جاري الفريد.

بالأمس قرأت كتابك الشيّق "سلوك وآراء الدكتور فوسترول، الباتافيزيقي". لا أخفي عليك أنني استمتعت بما قرأت. لا، بل أحسستُ برغبة جامحة في إعادة قراءته سطراً سطراً بإمعانٍ وتركيز شديدين. نادراً ما أُصاب بمثل هذه الشهيّة. خصوصاً وأن كتابك يستحقّ أن يُقرأ قبل النّوم ليضمن القارئ ليلةً مُفعمة بالكوابيس.

لديك يا صديقي قدرةٌ هائلة على اللّعب بالكلمات. لا تترك كلمةً واحدة تمرّ من دون أن تُدنّسها بروحك الشقيّة. من أين أتيتَ بهذا القاموس الغني والغريب، الذي لم يترك شاردةً ولا واردة إلّا ضمّنها، في تركيب بديع أقرب إلى الهذيان منه إلى السّرد المنظم؟

أنت تقيمُ معي في نفس العمارة، هنا على المحيط، من دُون أن أعلم. تسكنُ في الطّابق العلوي، وهذا الصّخب الذي يصلُني كلّ ليلة هو من أعمال دكتورك فوسترول وقرده الذي لا يعرف سوى ترديد كلمةٍ واحدة : "ها ها".

لا أفهمُ لماذا تركت روايتك يسردها موثّق معتُوه، حجَز على بيتك بكلّ ما فيه. حتّى مكتبتك، مراجع الدكتور فوسترول الشّهيرة، لم تعُد الآن في مأمن. لا بدّ أن تبدأَ من حيث انتهيتَ. أي من معادلةٍ رياضية حول موضع الله في الفضاء اللّانهائي.

لقد كنتَ في غاية الدّقة لأنّك أسست علماً جديداً، يتجاوز الفيزياء والميتافيزيقا في آنٍ واحد: الباتافيزيقا. إنّها عِلم المتناهي في الصّغر، وأيضا علمُ المتناهي في الكبر. كيف استطعت الجمعَ بين هذين النقيضين؟ لا شكّ أنّك كاتب استثنائي لا يقبلُ التّصنيف. حتّى روايتك احتار في أمرها النقّاد، وأصدرتها دار "غاليمار" ضمن سلسلةِ الشعر.

جاري الفريد، ألفرِد جاري.
ألفرِد جاري، جاري الفريد.

اسمح لي، في الأخير، أن أُسرّ لك: أنت شاعر حقيقي، ولستَ في حاجة لاعتراف من أندريه جيد ولا من أندريه بروتون.

لك منّي خالص التحيات.


*شاعر وكاتب من المغرب

دلالات

المساهمون