تاريخ مصر.. قصة نهب معلن

تاريخ مصر.. قصة نهب معلن

15 ابريل 2014
"متحف ملوي" بعد حرقه ونهبه، آب 2013
+ الخط -
وقفت الباحثة المصرية في علم الآثار مونيكا حنا، في وسط آب/ أغسطس الماضي (2013) مندهشة لحجم الدمار والنهب والحرق الذي تعرّض له متحف "ملوي"، في محافظة المنيا الجنوبية، التي كانت مقراً لعاصمة مصر في عصر الملك أخناتون الملقب بفرعون التوحيد.

كانت حنا قد سمعت عن النهب والتدمير الذي جري للمتحف على مدى أيام، قبل أن تتوجه إلى المنطقة بنفسها مع صديقة، متسلحة بهاتفها وكاميرا، في محاولة للوقوف على ما يحدث للمتحف الذي تعرفه جيداً ولتوثيق خرابه بالصور؛ وذلك بعدما بعثت نداءات استغاثة عبر حسابها على التويتر.

وفي غياب كامل لقوات الأمن ومقتل أحد العاملين في المتحف، كانت مجازفة البقاء لوحدها كبيرة. لكنها تمكنت، بمساعدة ضابط وعائلته وبعض المتطوعين من المنطقة استجابوا لنداءاتها على تويتر، من الحصول أخيراً على دعم أمني لنقل ما تبقى من حطام الآثار إلى مكان آمن.

حتى الآن تم استعادة وإنقاذ حوالي 500 قطعة من أصل 1089 كانت في المتحف. ومن بين المحتويات المنهوبة تمثال من الحجر الجيري يعود تاريخه إلى 3500 سنة، وقطع من الحلي الفرعونية، وتمثال لابنة الفرعون أخناتون.

وهذه واحدة من قصص كثيرة عن الدمار والنهب اللذين تعرضت لهما الآثار المصرية منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، تحدثت عنها مونيكا حنا في المحاضرة التي ألقتها في نيويورك بمناسبة حصولها على جائزة "بيكون" (Beacon) التي تقدمها منظمة "المحافظة على الآثار من أجل الجميع". وكانت المنظمة المستقلة وغير الربحية، ومقرها نيويورك، قد تأسّست عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق ونهب آثاره، في محاولة لنشر الوعي ومحاربة الاتجار بالآثار المسروقة.

ونالت حنا الجائزة تقديراً لجهودها وجهود زملاء لها في مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن سرقة وتدمير إرث مصر التاريخي؛ وكذلك لعملها على نشر الوعي العام بضرورة المحافظة على التراث الثقافي وحمايته من الضياع.

مونيكا حنا (30 عاماً) خريجة الجامعة الأمريكية في القاهرة وحاصلة على البكالوريوس في علم الآثار المصرية وعلى دكتوراه في الآثار من جامعة بيزا الإيطالية. في عام 2011، كانت حنا في برلين بفضل منحة من جامعة هومبولت، لإكمال دراسات ما بعد الدكتوراه، عندما قررت العودة إلى القاهرة للعمل مع زملاء لها على حماية وتوثيق نهب مواقع أثرية مصرية.

سرقة الآثار والمتاجرة بها ليست بالأمر الجديد على مصر أو البلاد الغنية بالآثار التاريخية. فالمتاحف العالمية الأميركية والأوروبية مليئة بالقطع الأثرية المسروقة أو التي تم الحصول عليها بطرق غير شرعية. كما أن هذه القضايا موضع خلاف بين الكثير من "المستعمرات السابقة" والدول التي استعمرتها. لكن ما حدث منذ ثورة 25 يناير 2011 هو ازدياد وتيرة السرقات حتى أنها تضاعفت 300 مرة في بعض الأماكن، كما قالت حنا لـ"العربي الجديد".

وتواجه حنا وباحثون آخرون العديد من المشاكل والمخاطر في عملهم. فقد تعرضت لإطلاق نار من قبل إحدى عصابات التهريب المسلحة. وتقسم حنا المهربين إلى فريقَين رئيسيين: الأول غالبيته من الفقراء والطامعين بالغنى السريع الذين لا يشعرون بانتمائهم للمكان أو بأن هذه الآثار هي إرثهم، بسبب العلاقة الملتبسة بين الدولة البوليسية والمواطنين؛ بل يرون الأماكن العامة والآثار كملك للدولة وشخوصها. وهذا أمر "مفهوم" ولا يقتصر على مصر بل نجده في الكثير من المجتمعات القابعة تحت دكتاتوريات أو أنظمة قمعية، أو تمر بمراحل انتقالية، كما يحدث اليوم في مصر.

أما الفريق الثاني والأخطر فيتألف من مجموعات منظمة تعمل غالباً مع أشخاص يعرفون جيداً عمّا وأين ينقبون، مما يدل على أنهم يعملون مع باحثين في الآثار أو عالمين بالموضوع. وتأتي هذه المجموعات غالباً مسلحة وتنقب بسرعة مستعينةً بجرّافات أحياناً أو بالديناميت لإخراج القطع.وهنا تعول حنا وزملاؤها الشباب الذين يكافحون هذه الظاهرة على توعية الناس ومحاولة جذب انتباههم إلى حقيقة أن الإبقاء على هذه القطع من شأنه أن يدر عليهم وعلى عوائلهم الأرباح الدائمة عن طريق توظيف الناس في القطاع السياحي، وتطوير هذه المناطق.

ووفقاً لحنا: "لهذه الجماعات قنوات تهريب وشبكات عالمية تجد مشترين أسخياء في الولايات المتحدة وأوروبا، علماً أن بيع القطع المسروقة أخذ يلقى رواجاً في بعض دول الخليج في الآونة الأخيرة". ولا تقتصر المشاكل التي تواجه آثار مصر وأماكنها الأثرية على النهب والسرقة بل على استيلاء بعض المقاولين على بعض الأراضي وبناء عمارات أو مقابر أو حتى مزابل ومواقف سيارات عليها.

يضاف إلى كل هذا سوء التخطيط المدني الذي يلتهم ويبني على هذه المواقع دون مراقبة وتحت أعين السلطات. وقد رصدت الباحثة كل هذا النهب والتجاوزات ووثقتها في صور التقطتها في عدة أماكن، منها:  هليوبوليس شمال شرق القاهرة، وأبو صير في الجيزة، وأنطيونووبوليس في مصر الوسطى وغيرها.

تستعين حنّا بوسائل التواصل الاجتماعي لمكافحة هذه الظاهرة، فتتبادل الصور عبر حسابها على التويتر، وتناشد الباحثين والنشطاء أن يبقوا حريصين على متابعة ومراقبة أي مزادات أو مواقع إلكترونية تبيع هذه التحف؛ كما تستخدم التكنولوجيا لاكتشاف الأماكن التي يتم نهبها.

وبعد إبلاغها بنهب هذه المنطقة أو تلك، تحضر حنا مع زملائها لرصد وتصوير التلف الذي سبّبه الناهبون. وتقوم بمقارنة بين الصور الحديثة والصور القديمة للموقع، مستعينةً بالصور التي يلتقطها "غوغل إرث" عن طريق الأقمار الصناعية مرة كل ستة أشهر تقريباً. وترى الباحثة المصرية أن هذه الخطوات مهمة للوقوف على حجم الدمار وكدليل على النهب، خاصةً في الأماكن التي لا يعرف الباحثون الآثار الموجودة فيها، لعدم خضوعها للتنقيب من قبل. 

أجابت حنّا بعد انتهاء المحاضرة وتسلّمها الجائزة على أسئلة الجمهور النيويوركي. ورغم محاولات الباحثة الشابة الإشارة إلى أن السوق الرئيسية لهذه التحف المسروقة ـ والتي تخلق الطلب عليها ـ هي في شمال أميركا وأوروبا، وبالتالي إلى ضرورة العمل الجدي على المستوى الرسمي للتوعية بخطورة المشكلة ومكافحتها؛ لكن أغلب الأسئلة والتعليقات جاءت استشراقية لتركيزها على "انعدام الوعي لدى عموم المصريين" بأهمية آثارهم، وإغفالها تعقيدات المشكلة الاقتصادية وارتباطها بسوق نهمة في العالم المترف من ناحية، وببؤس اقتصادي وغياب أو تواطؤ مؤسساتي في دول الجنوب.


الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار



المساهمون