إلى مدينة أين

إلى مدينة أين

10 مارس 2014
"فان غوغ-المتحف السوري"، تمّام عزّام
+ الخط -

من حنينٍ محموم إلى اليرغول بدأتُ كتابة هذه الرسالة. تخيّلتُ سيّدنا طحيمر، خالد سليمان طحيمر، قاعداً في المضافة القديمة، يمسكُ بأصابعه وأنفاسه ذلك القصب السحري، ومن حوله يتحلّق سهّيْرة جدّي على قهوة عربية. 

لا بدّ من يرغول، فبمثله فقط يمكن أن نرى كيف يمكن تخبئة الأمكنة في الرئتين.
كان حلمي الكبير أن أُخرج تلك الأصوات من قصبتين ملحومتين بقفير النَّحل، لمجرّد أنْ يرقص الناس. كثيراً ما أقول إنني حين لم أُجد العزف عليه ذهبتُ إلى الكتابة كنوعٍ من التعويض.
جدّي لأمي عازف مجوز، المجوز واليرغول شقيقان، والعازف على أيهما يسمى شاعراً.
الشاعر، في مفهوم سنوات الطفولة، صانع فرح.
والفرح، في مفهوم السّنوات كلها، عرس.
أكتب إليكِ من تلك الأحلام القديمة، من رغبتي بامتلاك مزمار طويل إلى درجة ملامسته سقف السماء، كي تلتف حلقة دبكة عملاقةٍ، تشارك فيها الكائنات كلها.. كلها؛ اثنتين اثنتين، ولا حاجة بعدها لسفينة نوح.

*

حلمتُ ليلة البارحة بأنني عضو في تنظيم مسلّح. كنتُ أرتدي بدلة عسكرية متواضعة وأسير في مؤخرة مجموعة الكماة (لعلي أستخدم مفردة "الكماة" لعدم تأكدي من نوعية سلاحنا؛ هل كان بنادق أم سيوفاً؟ لستُ أدري!).
إخوتي الأربعة وأولاد المخيم كلهم هم أعضاء المجموعة. الرتل الطويل لا أعرف أوله من آخره، لكني استطعتُ رصد وجوه القريبين مني، لن أعدّد أسماءهم لأني إن فعلتُ سأنسى ما سأقوله الآن، فمن عادة الأسماء أنْ تأخذني إلى حكايات أصحابها، وبهذا سأنسى حكاية المنام.
كنا في الحارة، لكن الحارة لم تكن موجودةً كما هي، وكما نعرفها. كنا في الحارة قبل أن تكون حارة، بل لمّا كانت برية كبيرة، تتوسطها بحيرة. بالتأكيد ما من بحيرة على الإطلاق، لكنّي أصدق الأحلام، لا سيما حين ترفض أن تمشهد نفسها بأقل من أسلوب أيام الخلق الأولى، ثمة أحلام تريد أن تنافس روايات الله والتاريخ والجغرافيا.
إذاً... هكذا وبكل بساطة: لحارتنا ذاكرة بحيرة.
إذاً.. علينا الآن ما كان على أسماكها أمس!


*

لم يتركونا لشؤوننا الصغيرة، حتى فرصتنا في أن نملّ سلبوها.


*

لطالما حلمتُ بخريطةٍ تقودني لـ"الوصول إلى مدينة أين" التي تحدّث عنها سركون بولص، دون أن يخطر لي إطلاقاً أنّني سأنتهي إلى غرفته وطاولته وسريره.. أي إلى خريطة السؤال، لا خريطة الجواب.

*

أريد لهذه الرسائل أن تذهب بالبريد العادي، فلم تعد محتملةً برودة البريد الالكترونيّ. أريد من ساعي البريد القديم أن يأتي حالاً، بدراجته الهوائية، وعلى كتفه حقيبة جلدية.
كان الناس يرسلون بريدهم بالحمام. ساعي البريد الذي أشتهيه الآن هو الحمامة. يأتيكِ طائراً على دراجته، وهو يعي جيّداً، بعكس الحمامة، أنه يحمل أمراً تتوقّف عليه حياة أحد ما.

دلالات

المساهمون