الصورة إذ تواجه الصين العظمى

الصورة إذ تواجه الصين العظمى

08 ديسمبر 2014
لقطة من الفيلم
+ الخط -

يعطي الفيلم التجريبي القصير "مصباح الزبدة" (2013، 16 دقيقة) مثالاً آخر على صعوبة التشكيك في قدرة السينما على تجاوز معاييرها وشروطها.

الشريط الصيني - الفرنسي الذي يستحضر معاناة أهل التيبت في ظل الاستلاب والرقابة اللذين يمارسهما النظام الصيني عليهم، لا يكتسب قيمة إضافية بتواجده، إلى جانب تسعة أفلام قصيرة أخرى، في قائمة جوائز "الأوسكار" للفيلم القصير، ولا بإشادات النقاد، وكمّ الجوائز التي حظي بها، بل بتميّز لغته الفنية.

يذهب المخرج الصيني الشاب هو لي (1983) في اشتغاله إلى التجريب في حده الأقصى، مستفيداً من عمله في الرسم والنحت والتجهيز، ليقدم عبر كادر واحد وكاميرا ثابتة طيلة الفيلم، فلسفة سينمائية خاصة. الصورة، هنا، كما المنحوتة، ثباتها لا يعني انتفاء الحياة فيها، فقدرتها الإنجازية تتولد من حوار العناصر وتمازجها داخلها.

هكذا، يكتفي المخرج الصيني باللقطة العامة ليسرد من خلالها حكايته الأساسية: ذهب مصور فوتوغرافي مع مساعده إلى التيبت ليلتقطا صوراً لعدد من سكان الإقليم. بزيهم التقليدي، يتبدّل التيبيتيون أمام عدسة كاميرا المصوّر بمجرد تبديل المساعِد للخلفية الكبيرة المثبتة خلفهم، بعد التقاط كل صورة.

في صور الخلفية الكبيرة، ثمة حكاية علاقات وارتباطات مع تاريخ التيبيتيين وثقافتهم، وثمة سياق كوني يطحن أبناءه الذين يتحركون كيفما رُسم لهم.

هكذا، لن تحمل الخلفية معنى مادياً فقط، بل ستكتسب قيمة درامية من خلال علاقات الشخوص بها وبما تحيل إليه. ففي مشهد لافت، تجلس عجوز تسعينية على كرسي خشبي، وتكتشف أن الخلفية وراءها صورة لمعبد بوذي، فتنزل عن الكرسي وتركع على الأرض لتصلي أمام المعبد معطية ظهرها للكاميرا. يحاول المصور ومساعده تهدئتها، فلا يستطيعان، إلى أن يطلب المصور من مساعده تغيير الخلفية، لتهدأ بعدها ويلتقط لها الصورة التي يريد.

اعتمد المخرج في سبك شريطه على تفصيل شائع في الثقافة الصينية: التقاط الصور أمام الخلفيات الكبيرة لأمكنة ومناظر طبيعية. غير أن تفاصيل الشخصيات وعلاقاتها خرقت هذا الإطار المبتغى، فثبتت حياتها الخاصة في الصورة العامة.

في لقطة أخيرة تمتاز بفرادتها وبرمزيتها العالية، تُزاح الأعمدة التي تثبت عليها الخلفيات في الوراء، لنكتشف أن مكان التصوير كان العراء وليس الاستديو، وأن الخلفية الحقيقية هي جبال شاهقة كانت قد غطتها الخلفيات الاصطناعية للفيلم.

ليس ثمة ممثلون في "مصباح الزبدة" ولا حكاية يريد الفيلم سردها. ثمة، فحسب، خلفيات في العمق تعرض صوراً متعاقبة تشكل في مجموعها سيرة بشر يتحركون أمامها، قبل أن يُسحقوا تماماً؛ بشر أبدوا في تاريخهم، القريب والبعيد، مقاومة مستمرة في مواجهة "الصين العظمى".

فيلم "مصباح الزبدة"، بوصفه قطعة فنية وتاريخية ذات قيمة عالية، ينضم إلى فعل المقاومة هذا.

المساهمون