رقص السماح.. طوافٌ حول دمشق

رقص السماح.. طوافٌ حول دمشق

11 ديسمبر 2014
دمشق في الأربعينيات
+ الخط -

لم يأت الشيخ عمر البطش إلى دمشق عام 1947 إلا وفي جعبته ما يدهش الدمشقيين. فبعد أن أُسندت إليه مهمة تدريب وتدريس فتيات مدرسة "دوحة الآداب" على فن الموشحات و"رقص السّماح"، حقّق نجاحاً كبيراً في الحفل الأول الذي أقامه فيها بحضور وجهاء المدينة. وفي الوقت نفسه، أثار نقمة شعبية قادها بعض رجال الدين، على رأسهم الشيخ علي الطنطاوي؛ احتجاجاً على مشاركة فتيات في هذا الرقص.

يومئذٍ، وبفضل الشاعر فخري البارودي، تفرّد البطش بأن كان أول من نقل هذا الفن من حلب إلى دمشق، وذاع صيته كمعلم جديد لـ "السماح"، إذ كان له الدور الأبرز في تطويره.

هكذا، صار بالإمكان القول إن تطوّر "رقص السماح" ينقسم إلى مرحلتين: ما قبل البطش، وما بعده. السماح، كما أورده بطرس البستاني في "معجم محيط المحيط"، هو: "رقص للمشايخ يستعملونه في العبادات، ويؤدى في تشكيلات ونغمات وإيقاعات وخطوات متعددة على شكل وصلات تغنى فيها الموشحات والقدود".

بمعنى أنّه طقس ديني تقتصر ممارسته على الرجال فقط، وهي أولى القواعد التي كسرها البطش؛ إذ أخرجه من الجوامع والزوايا الدينية إلى المسارح والبيوت الكبيرة، كما لم يتركه حكراً على الرجال، بل أتاح للفتيات تقديمه؛ ما شكل نقلة نوعية، ومنعطفاً واضحاً في تاريخ هذا الفن الذي ولد على يد الشيخ عقيل المنبجي، وهو من منطقة منبج، شمال مدينة حلب.

جاءت تسمية "السّماح" من أخذ الإذن من صاحب الحضرة الموجود أو صاحب البيت بأن يبدأ الراقصون فاصلهم، فيتنادون: "سماح.. سماح". واعتبره بعض الباحثين طقساً متفرّعاً عن فاصل "اسقِ العطاش".

لكن البطش شرّع الأبواب للموشحات، فأعاد تشكيل الرقص من جديد. إذ كان يُصمّم الرقصة، ثم يضع لها موشحاً خاصاً، ليخلّص "السّماح" من الرتابة التي وسَمتْه، مُدخلاً تشكيلاتٍ هندسية تُسمّى بـ "السماح المشبّك"، فأغناه بحركات توافقية مختلفة للأيدي والأرجل بما يتناغم مع إيقاعات الموشحات.

ويؤكد الباحث عبد الفتاح قلعه جي التغيير الذي طرأ على لباس الراقصين آنذاك، إذ بدأت محاكاة الأزياء الأندلسية، من حيث ألوانها وتصميمها، إضافة إلى تغيير الحركات وتبديلها الإيقاعي، الذي من شأنه صياغة مشهد بصري متميّز في فضاء المكان والمسرح.

كما خلُصْنا على إثر ذلك إلى أنواع من السماح وهي: "الصف الواحد" بقسميه الساكن والمتحرك، و"الصفان"، و"الأربعة صفوف". يتكوّن "الصف الواحد" من تشكيلين للتقابل والتعاكس، إذ يكوِّن الراقصون حلقةً، يمكن أن تُضاف إليها دائرة أخرى داخلية أصغر، ثم يعودون تدريجيّاً إلى مواضعهم على محيط الدائرة.

وهناك الدائرتان المتجاورتان المستقلّتان، اللتان يشكّلهما التئام صفين أو أربعة صفوف متقابلة، إلى جانب تشكيلات أخرى متعددة ومبتكرة كـ "البحرات" والـ "فسقيات" وغيرها، تُنجز على إيقاعات سريعة مثل "الجورجينا" و"الفالس" و"الأكرك" و"الوحدة".

المساهمون