"الوهراني" فيلم، أيها الناس!

"الوهراني" فيلم، أيها الناس!

13 نوفمبر 2014
+ الخط -

مجدّداً، ترتفع الأصوات المعادية لفيلم "الوهراني" للمخرج إلياس سالم، بعد أن كان هاجمه "الشيخ" شمس الدين بوروبي واصفاً إياه بأنه "يسيء إلى الإسلام وإلى الجزائر ومجاهديها".

ونقلت صحفٌ وفضائياتٌ جزائرية اتّهامات بالجملة أطلقها مَن قالت إنهم مجاهدون ونوّاب في البرلمان ومثقّفون وفنانون اعتبروا أن الفيلم "ينتهك حرمة الدين الإسلامي ويتطاول على الذات الإلهية ويسيء إلى الثورة التحريرية". ودعا هؤلاء إلى مقاضاة منتج الفيلم ومخرجه.

غير أن المشكلة، التي يواجهها هذا العمل وما شابهه من أعمال تواجه بنقد شعبوي، تكمن في المساءلة الأخلاقية للأعمال الفنية، وهي مقدّمة خاطئة لا تؤدّي إلاّ إلى نتائج خاطئة. فإلياس سالم لم يكتب تاريخ ثورة التحرير في "الوهراني"، بل قدّم مقاربة فنية/ سينمائية لجانبٍ منها، يتعلّق أساساً بمآلات الثورة وبالمسارات المختلفة والمتناقضة لمناضليها بعد الاستقلال.

على مستوى اللغة، وظّف المخرج مفردات "شوارعية" أضفت على الفيلم ميزتين؛ أوّلهما الواقعية اللغوية التي جعلته ينطق بلسانٍ جزائريٍّ، تتفاوت مستوياته اللغوية وتشكّل فيه المفردات، التي تُسمّى بالنابية، جزءًا من قاموسه اليومي، وثانيهما الجرأة التي أخرجت العمل من خانة الأعمال السينمائية التي دأبت على استخدام لغة كليشيهية أو محافظة، خصوصاً تلك المنتجة بدعم من الدولة.

هنا، سيبدو الاعتراض على استخدام هذه اللغة بلا معنى، على الصعيدين التاريخي والأخلاقي معاً. تاريخياً، لا يُمكن إنكار وجود هذه اللغة سواء في زمن الثورة أو في زمننا هذا. أمّا أخلاقياً، فنحن بصدد عمل سينمائي، لا تلفزيونيّ عليه أن يراعي الذهنية "المحافظة" للعائلة الجزائرية. ففي الجزائر، ما زالت الصحف تكتب أنّ العائلات استاءت من الفيلم الفلاني وانسحبت من القاعة، وكأنّ جمهور السينما هو نفسه جمهور التلفزيون. من قال لكم إن السينما موجّهة للعائلات أصلاً؟

أمّا القول إن الفيلم يظهر المجاهدين بوصفهم سكارى ومعربدين، ففيه مجانبة للواقع. فالمفارقة أن ترخيص فتح الحانات في الجزائر بعد الاستقلال كان حكراً على المجاهدين دون غيرهم.

أكثر من ذلك، يبدو كما لو كان هذا الكلام يخفي تلميحاً إلى أن ثورة التحرير كانت "ثورة إسلامية"، بينما الحقيقة أنها كانت ثورة اشتركت فيها معظم التيارات التي كانت موجودة في الحركة السياسية الجزائرية قبل عام 1954، واشترك فيها كلّ الجزائريين، متدينين (كي لا نقول إسلاميين) وغيرهم.

وتلك النماذج التي اقترحها الفيلم موجودةٌ، من دون أن يعني ذلك أنها تنسحب على الجميع، ومن دون أن يكون المخرج مطالباً بتقديم جميع النماذج.

بهذا، لا يبدو أن فيلم "الوهراني" قد انتهك حرمة الدين، ولا تطاول على الذات الإلهية، ولم يسئ إلى الثورة التحريرية، كما يزعم أوصياء التاريخ ومَن يدّعون حراسة الأخلاق. هو فيلم جميل، فحسب، وضع يده على مناطق مسكوت عنها في تاريخ الثورة، وفق تصوّر فنّي وجمالي لمخرج كرّس اسمه، بعمله الروائي الطويل الثاني، كواحدٍ من أفضل المخرجين في السينما الجزائرية الجديدة.

أمّا إن كان ثمّة من مجاهدين حقيقيين وفنانين ومثقّفين تزعجهم الإساءة للثورة التحريرية، فما عليهم سوى تصويب سهام نقدهم اللاذع إلى الاتجاه الصحيح، إلى من لم يكتفوا بالإساءة للثورة، بل اغتالوها وسرقوها وخانوا قيمها ومبادئها طيلة ستين عاماً من عمر الاستقلال.

دلالات

المساهمون