جزائر الثورة والسينما: 60 عاماً

جزائر الثورة والسينما: 60 عاماً

04 أكتوبر 2014
"معركة الجزائر" لـ جوليو بورتكرفيو، (1966)
+ الخط -

تشكّل السينما إحدى أهم أدوات تسجيل واستلهام ثورة التحرير في الجزائر، منذ اندلاعها عام 1954 حتى اليوم. في جعبة الثورة أكثر من 50 شريطاً روائياً، ومئات من الأشرطة التوثيقية، التي تدور حول مسارها ووقائعها، آخذة منها تارة، وكاشفة بعض تفاصيلها تارة أخرى. كأن السينمائيين الذين تناولوا الثورة، جزائريين كانوا أم أجانب، يسعون إلى كتابة تاريخ البلد ونضاله بالضوء، ضوء آلة العرض.

لم ينتبه الثوار إلى دور الفن السابع فوراً. تطلب ذلك ثلاث سنوات، عرفوا بعدها أن المعركة ضد الاحتلال الفرنسي ليست معركة سلاح فقط، بل معركة دعائية أيضاً، أدواتها الإعلام والسينما والمسرح. هكذا، شهدت منطقة الثورة الخامسة، في ولاية تبسة الشرقية، افتتاح أول مدرسة سينمائية لتعلّم مبادئ هذا الفن.

كان المشروع والهدف جزائريَّين، أما الحرفيون والمعلمون والتقنيون، فكانوا أجانب، من المناصرين لثورة الجزائريين. وقد أشرف المخرج الفرنسي رونيه فوتيه على المدرسة التي احتضنت جيلاً من الطلاب سيتميّز عدد منهم لاحقاً، مثل صاحب "السعفة الذهبية" محمد الأخضر حمينة، وأحمد راشدي، وجمال الدين شندرلي، وأحمد جنيدي، ومحمد قنز.

هكذا، راحت أشرطة ميدانية توثق لعمليات الثوار، تجد طريقها إلى الخارج، مواجهة آلة البروباغاندا الفرنسية وادّعاءاتها، والتي كانت وحيدة ومسيطرة، لفترة طويلة، في ساحة المعركة الفنية. هي أفلام بدأت تنقض في السردية الفرنسية، مستعيدة صوت الجزائري وحقه في روي قصته. ومن أهم الأعمال التي أنتجت خلال تلك الفترة (1957 ـ 1961): "الجزائر الملتهبة" لرونيه فوتيه، و"اللاجؤون" لسيسيل دي كوجيس، و"ساقية سيدي يوسف" لبيار كليمون، و"جزائرنا" و"بنادق الحرية" لجمال شندرلي ومحمد الأخضر حمينة، و"ياسمين" لهذا الأخير.

انتزاع الجزائريين استقلالهم، عام 1962، لن يوقف عجلة إنتاج الأفلام الثورية. يمكن القول إن فترة التعريف بالثورة انتهت بانتهائها، غير أن فترة التعريف بالفكر الثوري والتحرري ولدت مع الاستقلال. هكذا، لم يكن المشتغلون على الأفلام في تلك المرحلة في حاجة إلى ديكورات ومبالغ هائلة: كان ديكور المدن والقرى المدمرة حقيقياً وكافياً لتحتضن كاميرات عدد من السينمائيين الراغبين في نقل التجربة الجزائرية إلى الشاشة الكبيرة.

بعد سنتين من الاستقلال، ستعرف سيصدر جاك شاربي "السلم الوليد" (1964)، ليتبعه مصطفى بديع بفيلم "الليل يخاف من الشمس" بعد ذلك بعام، وتلاهما محمد الأخضر حمينة برائعته "ريح الأوراس" (1966) التي رُشحت لـ"السعفة الذهبية" ولم تنلها. وفي العام نفسه، 1966، حقق فيلم "معركة الجزائر"، للإيطالي جوليو بورتكرفيو، نجاحاً كبيراً، خصوصاً بعد انتزاعه الجائزة الأولى في "مهرجان البندقية".

ستعرف الأفلام الثورية عصرها الذهبي في السبعينيات. هكذا، ستحقق الأفلام التي تتناول التحرير ازدهاراً ونجاحاً كبيرين، على غرار "العفيون والعصا" لأحمد راشيدي، و"دورية نحو الشرق" لعمار العسكري، و"منطقة محرمة" لأحمد علام، و"العرق الأسود" لسيد علي مازيف، و"الإرث" لمحمد بوعماري، إضافة إلى "وقائع سنين الجمر" لمحمد الأخضر حمينة، الذي سينتزع سعفة "كان" الذهبية هذه المرة، ناقلاً سينما بلده إلى مرحلة أكثر تقدماً، وواضعاً إياها على ضوء الاشتغالات السينمائية المعاصرة.

لكن هذا الازدهار لن يستمر طويلاً. فبعد فترة قصيرة مهمة في الثمانينيات، سعت فيها سينما الجزائر إلى صقل خبرتها في الاشتغال حول ثيمة الثورة وغيرها، سيتبدد هذا الجو سريعاً بسبب الظروف السياسية التي عرفتها البلاد حينها. هكذا، دخل الفن السابع سباتاً في مرحلة التسعينيات التي طغى فيها لون الدم على أي شيء آخر، وليس السينما، أو أفلام التحرير، فحسب.

ورغم تردي حال البلد في تلك الفترة، التي يسميها الجزائريون بـ"العشرية السوداء" أو "عشرية الدم"، وانتكاسة الفن السابع، إلا أن بعض الأشرطة وجد طريقه إلى الضوء، على غرار "يا أولاد" لرشيد بن علال، و"يوسف" لمحمد شويخ، و"جبل باية" لعز الدين مدور، والفيلم المشترك الجزائر الفيتنامي "زهرة اللوتس" لعمار العسكري.

في السنوات الأولى من الألفية الجديدة، تحسنت الأوضاع الأمنية في البلاد. وجاءت تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" عام 2007 لتعيد السينما الثورية التاريخية إلى الواجهة من جديد، من خلال إنتاج عديد الأفلام، من بينها "مصطفى بن بولعيد" لأحمد راشدي، و"زبانه" للسعيد ولد خليفة.

ومن المنتظر أن تخرج إلى الضوء، خلال الأسابيع المقبلة، مجموعة من الأفلام التي تستقي من الثورة أو تحاكيها، ومن بينها فيلما أحمد راشدي "كريم بلقاسم" و"العقيد لطفي"، وفيلم "العربي بن مهيدي" لبشير درايس، وغير ذلك من أفلام، من بينها شريط الأميركي شارل بونارت "الأمير عبد القادر". في هذا الوقت، ينتظر أن يشهد العام خروج عدد آخر من الأفلام حول الثورة إلى الصالات، في وقت يحتفل فيه البلد بمرور 60 سنة على انطلاقها.

المساهمون