قصة حياة الكلمات

قصة حياة الكلمات

10 ديسمبر 2018
(آلان راي)
+ الخط -

أشرف المعجمي الفرنسي آلان راي (1928) على إنجاز "المعجم التاريخي للغة الفرنسية" والذي صدر في 1992. وبعد قرابة عقدين، أصدر "القاموس العاشق للقواميس" وخصّص أحد مداخله للحديث عن المعاجم التاريخية وتجربته معها. هنا ترجمتنا لما كتبه راي ضمن هذا المدخل.


المعاجم التاريخية: تخفي هذه التسمية التباساً لكنه ذو دلالات كاشفة. كثير من المعاجم تكون محتوياتها أقرب إلى موسوعات تاريخية، فتحتوي على أسماء الأعلام والأماكن وتعدّد الأحداث، إنها قريبة من المادة التاريخية لكنها ليست بمعاجم تاريخية. نعني بهذا المصطلح أمراً آخر تماماً؛ فالمقصود هو معاجم "تروي" قصة حياة الكلمات.

كان علماء الإيتيمولوجيا (علم أصول الكلمات)، خصوصاً منذ القرن التاسع عشر، قد فهموا أن أصل أشكال المفردات كان مجرّد مدخل إلى مغامرة أرحب، والتي تبدأ خطوتها الأولى بتساؤل: متى وكيف دخلت كلمة ما إلى اللغة؟

على المعجم التاريخي إذن أن يزاوج بين زمن ما قبل لغة ما، وزمن هذه اللغة الداخلي. مثلاً في الفرنسية، علينا أن نزاوج بين الزمن الذي يقاس بوحدة الألف عام لكلمة من أصل قديم سليل اللغات الهندوأوروبية، وبين مصطلح ناشئ عن توليد يقاس عُمره بالسنوات.

على هذا الأساس انبنى "المعجم التاريخي للغة الفرنسية" والذي كان لي شرف إدارته، بما يتضمّن ذلك من جهد ومن متعة. وكنت دائماً أتساءل هل أن هذه المادة التي أديرها قابلة للإدارة أصلاً؟ أشكر بالمناسبة من تورّطوا معي في هذا المشروع، لقد كان الهدف وقتها أن نتجاوز سلسلة الاستشهادات التي تُبرز كيف ظهرت الكلمة في عصور مختلفة (وهو ما كان إميل ليتري قد ذهب إليه، وهو يعتقد أنه ينجز "معجماً تاريخياً") إلى تعداد دقيق لدلالات كلمة. هنا أصبحت القيمة الرئيسية للكلمة، وليس البحث عن كيفية تناقلها من ماليرب (شاعر في القرن السادس عشر) إلى شاتوبريان (كاتب من القرن التاسع عشر).

تساءلنا وقتها أيضاً هل أن المعاجم التي تقول بأنها تاريخية هي كذلك بالفعل؟ كان "معجم أوكسفورد الكبير" يعلن بأنه أُنجز على أسس تاريخية، ولكننا اعتبرنا أنه ليس كذلك بشكل مطلق، وإن يظل تاريخياً أكثر من المعاجم الأخرى. وهناك الكثير من المعاجم الفرنسية التي ادعت صفة التاريخية ولم يكن لها في الأمر نصيب، بل إن معاجم أخرى لم تصف نفسها بالتاريخية كانت تاريخية أكثر منها.

صفة التاريخي بالنسبة لمعجم، هي قبل كل شيء مسألة رؤية ومنهج. لا يمكن أن يوجد قاموس لحظي، يسجّل مباشرة دخول كلمة إلى لغة. لا يوجد تمثيل لمجموعة الكلمات دون اعتبار الزمن، الزمن باعتباره تتابعاً كرونولوجياً، ولكن أيضاً الزمن الاجتماعي، وهو وحده الذي يمكن أن نسمّيه بالزمن التاريخي.

إن الكلمة الأحدث في لغة لها هي الأخرى تاريخها، حتى ولو كان قصيراً للغاية، لكنه يظل جزءاً من تاريخ كبير. أن لا يكون هناك هذا البعد أو العمق التاريخي هو مثل الادعاء بأن اللغة ليس نتاج قوانين المجتمع وتفاعلاته وإنما هي عبارة عن تجريد فاقد للذاكرة.


* ترجمة: شوقي بن حسن

المساهمون