وقفة مع الفوز طنجور

وقفة مع الفوز طنجور

05 مارس 2021
(الفوز طنجور)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وما يودّ مشاطرته مع متلقيه. "بالنسبة إلي، السينما فِعْلُ مقاومة وتحدٍّ أمام سطوة الحياة والزمن"، يقول المخرج السوري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

- يشغلني الجرح السوري النازف حتى اليوم، وتحوّلُنا كسوريين إلى أرقام في نشرات الأخبار، كضحايا أو لاجئين. يشغلني العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص، وما يمرّ به من تخبّط في دوّامة لا تنتهي من الأزمات السياسية والاقتصادية، والوضع الكارثي الذي وصلتْ إليه حال الشعوب العربية في ظِلّ حكومات رجعيّة وديكتاتورية. كما يؤرّقني التفكير في غياب التضامن الإنساني الضروري لمواجهة مثل هذه التحديات الصعبة والمصيرية، وفشل "إنسان السوشل ميديا" الجديد في الامتحان الأخلاقي في وقوفه مع الآخر أيّاً كان، من دون النظر إلى عِرقه ولونه ودينه.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

- أنجزت منذ فترة فيلماً تسجيلياً طويلاً بعنوان "تأشيرة إلى منفى الشمال"، من إنتاج "الجزيرة الوثائقية". يحكي الفيلم قصّة المقاتلين من أبناء جزر المولوك في إندونيسيا، الذين جُلبوا إلى هولندا على ظهر بواخر الجيش الملكي الهولندي، بعد انسحابه من إندونيسيا إثر هزيمته عام 1950. يطرح الفيلم قضية المولوك كونهم أقلّية إثنية تعيش على الأرض الهولندية بثقافة مختلفة وتاريخ مختلف، وذات علاقة معقّدة مع هولندا كدولةٍ وكمحتلّ سابق لأراضيهم.

أعمل على فيلم روائي طويل عنوانه "الهروب"، ويحكي قصّة شرطيّ نمساويّ متطرّف يعيش علاقة مضطربة مع ابنته المراهقة بعد موت والدتها، ولكنّ كل شيء سيأخذ منحىً آخر حين تحاول الفتاة أن تساعد لاجئة سورية في البحث عن أخيها الذي فقدته أثناء رحلتهما إلى أوروبا.


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟

- مفهوم الرضا نسبيّ، وهو مرتبط بعوامل مختلفة، أهمّها الوعي واحترام الذات والخبرة المهنية المكتسبة عبر الزمن، بعد كلّ تجربة وتأثيرات المحيط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولكنّني أبذل كلّ جهدي، وأعمل بكلّ طاقة وحبّ وإخلاص في كلّ مرّة أنجز فيها فيلماً، وكأنّني أخوض حياة كاملة. 


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- سأختار حتماً المسار ذاته، فقد أدركت في سنّ مبكرة أنّني أحبّ أن أشارك الناس متعةَ القصص التي أعرفها من خلال صناعة الأفلام. أتصدّى للواقع من خلال الأفلام التي أحقّقها. أتصدّى للألم، للقسوة، للاغتراب، وربّما للحنين. بالنسبة إلي، السينما فِعْلُ مقاومة وتحدٍّ أمام سطوة الحياة والزمن.

كأنّني في كل مرّة أنجز فيها فيلماً أخوض حياةً كاملة

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- الفهم الحقيقي للآخر، التضامن الفعلي مع الشعوب المقهورة، العدالة في توزيع الثروات، والعيش بحرية وكرامة ومساواة في عالمٍ يخلو من الحروب والسجون والحدود والمنافي.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 

- كنت أودّ لو ألتقي المخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي، لأنّه المعلم الأوّل بالنسبة إليّ كمخرج. معلّمٌ فيما يخصّ صياغة أبجدية ولغة سينمائية شعرية خاصّة، عن طريق استخدام الرموز والدلالات في الفيلم، وعبر عملية الرصد الدقيق للحياة ثم بناء كلّ ما يتعلّق بسرد الحكاية وخلْقها شكلاً ومضموناً من خلال تكوين الصورة السينمائية، الضوء وتدرّجاته، توزُّع الظلال، حركة الكاميرا والشخصيات، الديكورات والموسيقى ــ وكل ذلك من أجل فهمٍ أكثر عمقاً للواقع. 


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

- أشتاق جدا إلى أصدقائي في مدينتي، السّلمية. لم أرَهم منذ أكثر من عشر سنوات، أولئك الذين تشاركت معهم خبز الحياة، مُرّ الأيام وحُلوها، وكانوا وما زالوا رفاق الدرب.

أحبّ الرجوع بين فترة وأخرى إلى روايات دوستويفسكي، التي تأخذني في رحلة مدهشة إلى أعماق النفس البشرية وتقودني إلى فهم ماهية مكنونات الإنسان وتعقيداته وطبائعه وسلوكه. وهذا كلُّه يساعدني في عملي، كمخرج، مع شخصيات الأفلام التي أصنعها.


■ ماذا تقرأ الآن؟

- أقرأ رواية "كفاحي، رجل عاشق" للنرويجي كارل أوفه كناوسغارد، وهي رواية ساحرة في كلّ شيء، مفعمة بالحيويّة والرشاقة، بالغة الكثافة البصريّة، مرويّة بجودة وحرفيّة مدهشة؛ عالم من التفاصيل الدقيقة وصور الحياة التي تغوص في قلب المجتمع الأوروبي المعاصر، مكتوبة بصدق صادم وبصيرة نافذة.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- أستمع إلى كلّ أنواع الموسيقى العربية والعالمية الكلاسيكية والمعاصرة، بحسب حالتي المزاجية والعاطفية. أستمتع جداً بموسيقى شوبان وأغاني البلوز والروك، وأطرب كثيراً لأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب والعندليب الأسمر ونجاة الصغيرة. ولكنّني مدمن عتيق على أغاني السيدة فيروز، روح سنيّ العمر. أحبّ أن أشارككم أغنية "جادك الغيث"، التي لحّنها الأخوان رحباني انطلاقاً من قصيدة للشاعر الأندلسي لسان الدين بن الخطيب:

"في لَيالٍ كَتَمَت سِرَّ الهَوى  بِالدُّجى لَولا شُموسُ الغُرَرِ
مالَ نَجمُ الكأسِ فيها وهَوى   مُستَقيمَ السَّيرِ سَعْدَ الأثَرِ
حِين لَذَّ النَومُ شَيئاً أو كَما   هَجَمَ الصُّبحُ هُجُومَ الحَرَس
غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما   أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ"


بطاقة

مخرج سينمائي سوري مولود في مدينة السلميّة (1975). قدّم العديد من الأفلام الوثائقية والروائية، منها "دمشق، سيمفونية مدينة"، و"حجر أسود"، و"أرواح متمردة"، و"نجيب الريس، رحلة في الزمن الصعب"، و"ذاكرة باللون الخاكي" (الصورة) الذي نال عدة جوائز عالمية حاله كحال "بارودة خشب" و"شمس صغيرة". آخر أعماله "تأشيرة إلى منفى الشمال"، من إنتاج "الجزيرة الوثائقية". يُعدّ حالياً فيلماً روائياً طويلاً بعنوان "الهروب".

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون