وقفة مع أمجد الزعبي

وقفة مع أمجد الزعبي

29 يناير 2022
(أمجد الزعبي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "ما أحلم به هو أن يكون الإنسان هو محور العالم وليس رأس المال المتوحّش"، يقول الباحث الأردني في لقائه مع "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

- تتحدّد ملامح الانشغال بمآلات الواقع العربي في ظلّ التردّي على كافّة الصُّعُد، لتُعاد إلى الذهن حالة الغد والقادم وما يرسم من إيقاع يميل الى الأمل؛ ففلسفة المستقبل، كراسمٍ للواقع، هي ما يجب أن نعمل له وما أعمل عليه حالياً، والنظرة ليست نظرة تاريخية إحيائية بقدر ما هي قراءة للاستشراف قادرة على بثّ وعيٍ ناقد.

بدأت بفكرة وسؤال تفكيكي للواقع مستنداً إلى التجربة التاريخية: كيف نجحت القوى الاستعمارية المعاصرة في توظيف الفكر الجهادي التكفيري، وتوظيف ما سُمّي بالدولة الإسلامية (داعش) في الفترة الأخيرة؟ هل هناك في التجربة التاريخية ما يحمل مثل هذا التوظيف؟ لذا فإنّ مشروعي - الذي أعمل عليه ضمن هذا الإطار ــ هو دراسة التوظيف الاستعماري للجهاد في الحرب العالمية الأولى ضمن نموذجين: النموذج الألماني (من دول الوسط)، والنموذج البريطاني (من الحلفاء).


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

- مشروعي الجديد قراءة في مسوّدات تصريح بلفور بين 1 تمّوز/ يوليو و2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، وهو منشور في "مجلّة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية" (2021)، إذ قامت الفكرة على البحث في سؤال: مَن الذي وظّف الآخر في خدمته؟ وهل كانت الحركة الصهيونية مِن القوة لتوظّف بريطانيا؟ يخلص البحث إلى أن بريطانيا نجحت في توظيف الحركة الصهيونية في مجهودها الحربي، ولا سيّما النجاح في ضمّ الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبها في الحرب الكونية الأولى؛ وأن تصريح بلفور بقي بلا قيمة حتّى تم تضمينه في صكّ الانتداب البريطاني على فلسطين، والمتتبّع يلحظ تخبّط السياسة البريطانية خلال فترة العشرينيات وبدايات الثلاثينيات في فلسطين.

المشروع الذي أتمنّى أن يرى النور خلال السنة الجديدة هو دراسات تاريخية حول وسط أوروبا خلال القرن التاسع عشر؛ مشروع يكمل ما قد قمت فيه قبل عدة سنوات والذي جاء بعنوان "التاريخ السياسي والاقتصادي لألمانيا، 1789 - 1848"، حيث كان وسطُ أوروبا - بالنسبة إلى الألمان - مجالاً حيوياً جاء تحت شعار "التوجّه الألماني للشرق"، والذي تمثّله الإمبراطورية العثمانية وأملاكها في المشرق العربي وأوروبا. ويحاول هذا المشروع أن يلقي الضوء على التشكّل القومي في تلك المنطقة المتداخلة إثنياً ومذهبياً؛ كيف وصلت مع الاتحاد الأوروبي إلى حالة جديدة فيها غدٌ أفضل لمُواطن تلك المناطق.


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- سوف أختار المسار الذي أنا عليه الآن. كان خياري ورغبتي في بناء رؤيتي التي أعتقد أنها لا تزال في بداياتها، وأعمل على تطويرها باستمرار، مع الإيمان العميق بحتمية التغيير وأن القادم أفضل. فالتاريخ بالنسبة إليّ ليس حقل دراسة وحسب، وإنما حقل الحياة ذاتها بتلوّنها وجمالها؛ دراما، ومسرح، ونمط فلسفي وعلمي.

التاريخ هو حقل الحياة ذاتها بتلوّنها وجمالها

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- احترام الاختلاف والتنوّع. الجمال يكمن في الاختلاف، فلو تخيّلنا أن كلّ البشر بنفس الصورة والشكل واللون، لَما ظهر الجمال. وهذا يقود إلى الاعتراف بالآخر خارج الذات، والانفتاح في الفهم والقدرة على المحافظة على الذات الإنسانية التي هي واحدة لدى كلّ البشر في الأمل والطموح وحتى الألم. ما أحلم به إنسانٌ حرّ يسير على فكرة الخيرية البشرية وقيَم العدالة والمساواة، وأن يكون الإنسان هو محور العالم وليس رأس المال المتوحّش الذي يضع الإنسان جانباً. ما أحلم به عودة الحقوق إلى أصحابها.  


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- تخطر في البال شخصيات كثيرة كان لها بصمتها الواضحة لديّ، فعلى مستوى المغرب ابن رشد وابن خلدون، والمشرق ابن سينا والكندي. لكنّ الشخصية التي أثرت فيّ هي شخصية الحلاّج، شعراً وتصوّفاً وحرّيةً؛ فالحلاّج كان قريباً من الناس ويعبّر عمّا يفكر فيه، على عكس غيره من المتصوّفة. وكان دائم الترحال والتنقّل، كثير النقد للحالة السياسية العامّة في عصره؛ ويذكّرني بالعالم العربي اليوم والمحاكمات الصورية التي تجري للمفكّرين، وكيف كانت نهايته بمحاكمة صورية اتُّهم فيها بالزندقة والإلحاد. لقد كان شهيداً لتمسّكه بما آمن به وناضل من أجل تغييره. كان من الناس ويشبههم؛ وقصيدته "اقتلوني" ملحمةٌ للمعنى والصورة وعُمق الفكرة:

اقتلوني يا ثقاتي/ إنّ في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي/ وحياتي في مماتي
أنا عندي محوُ ذاتي/ من أجلّ المكرماتِ
وبقائي في صفاتي/ من قبيح السيّئاتِ
سئِمَتْ نفسي حياتي/ في رسوم البالياتِ
فاقتلوني واحرقوني/ بعظامي الفانياتِ
ثمّ مرّوا برفاتي/ في القبور الدارساتِ
تجدوا سرّ حبيبي/ في طوايا الباقياتِ.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

- هذا في الحقيقة سؤالٌ صعب، فالأصدقاء والأحبّة كثُر، كلٌّ له نكهته ومكانه في حياتي. الأوّل صديقي ورفيق دربي منذ السنة الأولى في "جامعة اليرموك"، والذي يذكّرني بصورتي الأخرى؛ سرنا معاً كزملاء في فترة البكالوريوس والماجستير، إنه قريب الروح محمد الحاج. بعد الدراسة، انتقلت إلى عمّان للعمل وبقينا نلتقي كلّ يوم إثنين أمام "مؤسّسة عبد الحميد شومان"، نستمع لمحاضرة السادسة والنصف، فإذا استهوتنا حضرناها، أو غادرنا بعدها لنتسكّع في وسط البلد، ونختمها في "مقهى الجامعة العربية". بقينا على الحال لأكثر من ثلاث سنوات ولم نفترق إلى اليوم.

والآخر، الطبيب الرائع الذي يحملك على عصف ما لديك بما لديه من عمق في الفكر وحس عال وراق؛ صديق الصعلكة والمعاناة أستاذ المسرح عمر نقرش. وفي حياتي العلمية الجامعية كان أستاذ اللغة إسماعيل القيام، والمشاكس الأديب والقريب يوسف ربابعة.


■ ماذا تقرأ الآن؟

- كتب إريك هوبزباوم: "عصر رأس المال"، "عصر الإمبراطورية"، "عصر التطرّفات: القرن العشرون الوجيز (1914 ـ 1991)"، "عصر الثورة: أوروبا (1789 ـ 1848)". هذه من أفضل الأعمال التي تناولت التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، برؤية علمية موضوعية وشيّقة. لديّ اهتمام بالمؤرّخين العرب وعلى رأسهم محمد عابد الجابري ومالك بن نبي وهشام جعيّط. ومهتمٌّ أيضاً بالشعر والرواية العربية، وأبرز هؤلاء: محمود درويش، وأحبّ شِعر مصطفى وهبي التلّ (عرار). وقرأت معظم أعمال عبد الرحمن منيف، وما حفر فيّ روايتُه "شرق المتوسط". 


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- لستُ معنياً بالاسم، أو الحديث أو القديم. ما يهمّني الكلمات واللحن والموسيقى والصوت. لست أميل إلى الصخب والإزعاج، وهما سمة ما يسمّى "أغاني العصر". بداية يومي وقهوتي فيروز، ومحمد عبد الوهاب وليس كلّ أغانيه؛ أعيد سماع أغنيته "من غير ليه" بين فترة وفترة. من الشباب، أحبّ الاستماع لفضل شاكر. أثناء عملي أحبّ الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، بخاصّة ياني: "الحبّ كل شيء" ومقطوعة آلة الدوكدوك التي يقدّمها من الموسيقى الأرمنية.


بطاقة

باحث أردني من مواليد عام 1971. حاصل على درجة الدكتوراه في تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر عن أطروحته "تجربة الوحدة الألمانية من خلال برلمان فرانكفورت: 1848 - 1849". أصدر العديد من الدراسات والكتب، منها "هربرت صموئيل وتأسيس إمارة شرقي الأردن: 1920 - 1925" (2002)، و"أثر الثورة الفرنسية وحكم نابليون على ألمانيا: 1789 - 1815" (2010)، و"الآخر في فكر الأمير عبد القادر: دراسة في فتنة دمشق 1860" (2016)، و"حركة الشباب الهيجلي 1829 ـ 1848" (2017)، و"التطوّر السياسي لمفهوم الجماعة في القرن الأوّل الهجري" (2018)، و"التغلغل الألماني في الدولة العثمانية من خلال الاستشراق في الربع الأخير من القرن التاسع عشر" (2018).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون