وقفة مع: أسامة حلبي

08 ديسمبر 2024
أسامة حلبي (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعبر الشاعر والحقوقي الفلسطيني أسامة حلبي عن قلقه تجاه العدوان على غزة ولبنان، ويعكس هذا في أعماله الأدبية التي تتناول مواضيع الرثاء والعتاب، مثل مجموعته "مزامير لرفيق"، ويعمل على مجموعة جديدة بعنوان "شكّ ويقين" لتحفيز الفكر والنقد.

- يؤكد حلبي على أهمية الشك كعنصر محفز للإبداع، ويعبر عن عدم رضاه الكامل عن إنتاجه الأدبي، حيث يسعى دائماً لتحسين جودة كتاباته مستفيداً من تجاربه وتجارب الآخرين.

- يطمح حلبي إلى العودة إلى الإنسانية ويؤكد على الثبات على المبادئ، ويعبر عن رغبته في لقاء شخصيات تاريخية لفهم التغلب على التحديات، ويستمع إلى موسيقى تمزج بين التراث والحداثة.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "أكتب مستفيداً من تجاربي وتجارب الآخرين" يقول الحقوقي والشاعر الفلسطيني أسامة حلبي لـ" العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة وامتداده إلى لبنان؟

- يشغلني ما يشغل كلّ إنسان ذي وعي وضمير وانتماء "أساسي" للإنسانية: أتساءل بحرقة وغضب وعتاب على كلّ القوى الإنسانية وفوق الإنسانية التي لا تحرّك ساكناً: متى يبدأ العدُّ التنازلي لهذا الجحيم، وتنتهي الحرب على غزّة ويتوقّف قتلُ الأبرياء ومحو الإنسان والبنيان؟ ومتى ينعم الأطفال هناك، وفي لبنان وفي كلّ مكان تحكمُه قوى الشرّ أيّاً كانت، في وقت لا تشغله القذائف والمُسيَّرات ولا يحكمه الفزع والجوع وعلامات السؤال ويجدون لقمة ساخنة في صحن نظيف وجرعة ماء غير مالحة وراحة بال في حضن دافئ؟ ومتى تعود المدارس والجامعات والمستشفيات لعملها المعتاد؟ ومتى يعود المهجّرون والنازحون والملاحقون إلى أحيائهم وبلداتهم ويستعيدون "حياتهم العادية"، فيرون سقف بيت بدلاً من سقف خيمة أو سماء متجهّمة ونعود نحن لمُشاهدة نشرات "الأخبار المملّة"، وننصرف إلى أمورنا وهمومنا اليومية؟


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

- مجموعة شعرية بعنوان "مزامير لرفيق: رسائل ابن لأبيه ونصوص أُخرى"، صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. وتحتوي نصوصاً رثائية - عتابية - تصالحية أُخاطب بها والدي المرحوم، وإلى جانبها نصوصٌ ذاتية ورثائية أُخرى تتحدّث إلى وعن زملاء وأصدقاء وشعراء عرفتُهم ورحلوا. وجاء في "شبه المقدمة" التي تفتتح المجموعة ما يلي: "هكذا أعادني موت أبي وما سبَقه وصحبه وتلاه من أحداث، هواجس وتداعيات إلى كتابة النصوص الأدبية بعد توقّف دام سنوات طوالاً. وأرجو أني لم أُثقل بعودتي على أحد. كما أرجو أني نجحت من خلال هذه 'المزامير' في إطالة مكوث والدي وذكراه الطيّبة وذكرى أصدقائي ومعارفي الذين سبقوني في المغادرة، في ذاكرة الزمان والمكان المرافقَيْن لوجودنا الحسّي المؤقّت في هذه الحياة. فأنا لا أخشى الموت 'لكني أخشى سطوة النسيان'".

شكّي قمرٌ عِملاقٌ يَشغَلُني عن نُجومِ "يقينٍ" صَغيرَة

وجاء في المقطع الأخير من قصيدة "رسالة إلى أبي": "قولوا لأبي/ صَعْبٌ إيصادُ الأبوابِ/ صَعْبٌ إيلامُ الأحبابِ/ صَعْبٌ صَعْبٌ/ كيفَ غابْ/ لكنْ/ صَدري جَبَلٌ/ عالي الهِمَّهْ/ بيدَرُ صَبرٍ/ يُطعِمُ أُمَّهْ/ شوقي آلافُ الأغْمارِ/ ودُموعي غَمْرُ عِتابْ!". وأعمل الآن على تحضير مجموعة خامسة للطباعة بعنوان: "شكّ ويقين" وعنوانها الثانوي: "أقوال غير مأثورة ونصوص شبه ثائرة". وجاء في مقدّمة المجموعة تحت عنوان: "لماذا هذه النصوص؟": "هدف نصوصي المتوخّى، من دون التخلّي عن 'مواصفاتها الأدبية'، خلق حراك فكري ونفسي بإيصال جُرعات من أقوال محفِّزَة، غير مأثورة، وأفكار غير 'جاهزة' وشبه مبتكرة، ترمي إلى تطوير حسّ نقدي وتثير تساؤلات وتضيء زوايا ومساحات أُهملت أو لم يُلتَفت إليها في حيّز حياتنا. يصبو بعض النصوص إلى تحرير أفكار حُشرت في عقول مكبوتة أو مقولبة وتحريك عقول أدمنت الكسل، ويدفع إلى إثارة الشكّ فيما ظُنَّ يقيناً وقيَّد حركتنا وحراكنا وضَمِن إذعانَنا لـ'قوى عليا' 'داخلية' و'خارجية'". 

هل يُنقص هذا الحِملُ من "الأهداف" (مهما كانت نبيلة) من جمالية نصوص هذه المجموعة ويحُطّ من قدرتها على التحليق؟ وهل تدفع نصوصي الشعرية ثمن إعمالي الفكر و"التوجيه" في "مساحات شعورية" يتركها الآخرون، عادة، للعاطفة والخيال؟ لا أستبعد ذلك وإن كنت أجتهد في مقاومته. على أي حال، أترك القرار للقارئ النجيب. ولكي يلمس القارئ ما أرمي إليه هنا أورد نصين أحدهما يحمل عنوان المجموعة "شكّ و'يقين'": "شكّي قمرٌ عِملاقٌ/ يَشغَلُني/ عن نُجومِ "يقينٍ" صَغيرَة/ في ليلِ حَياتي"، و"عودة الوعي": "لا ينهَضُ وعيُنا من كَبوتِه/ ما دُمنا نقِفُ/ على بابِ خوفِنا من عودتِه".


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟

- أودّ الإجابة بنعم لكني أتردّد. لأن هناك خطراً كامناً في تبنّي الشعور بالرضى عن إنتاجك. إذ قد يؤدّي هذا الشعور إلى المُراوحة في مكانك والتخلّي عن محاولة التحليق والانطلاق. لذلك أعمل دائماً على تثقيف نفسي وعلى رفع مستوى جودة ما أكتب مستفيداً من تجاربي السابقة وتجارب الآخرين، وأتساءل دائماً قبل وبعد كلّ إصدار: هل ما أقدّمه يرتقي إلى مستوى "الشعر" أو "الأدب"؟ وهذا التوجّه والتوجّس تعكسه أغلفة بعض مجموعاتي، فجاء على غلاف "تاق الجواد الراحة"، الصادرة عام 2016، وعلى غلاف "حالم عنيد" الصادرة عام 2022 تحت العنوان الرئيس: "قصائد ونصوص تُحاكي الشعر أو تكاد". وأُشير هنا باتّفاق إلى قول الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله مؤخراً: "ليست الثقة في القدرة على الكتابة هي التي تكتب الروايات، بل الشكّ في هذه القدرة هو الذي يجعلنا نكتب شيئاً مختلفاً دائماً". وأنا إذ أتّفق معه، أُضيف أنّ هذا "الشك" ملحُ الكتابة الإبداعية وينطبق على الشعر أيضاً.

أغلفة أسمة حلبي - القسم الثقافي


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- ما كنت لأغير الكثير في مسيرتي الشخصية والمهنية وإن كنت قد دفعت في شبابي ثمناً كبيراً لمواقف مبدئية اتخذتها، كـ رفضي الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي المفروضة على أبناء الطائفة الدرزية. ومن سيقرأ كتابي قيد العمل الآن والمُعنوَن، مؤقتاً، بـ"ليست مذكّرات فقط"، سيرى أن حياتي الشخصية والمهنية تعكس تحدّياً مستمرّاً ليس للسلطة الاستعمارية الجائرة فقط، بل للمفاهيم والأعراف الاجتماعية البالية و"المُسلَّمات"، وثورة على كلّ من لا يُعمِل العقل والمنطق ويعتمد القوة أساساً لفرض هيمنته وتحكّمه في الآخر. ومع ذلك، ما كنتُ أودّ فعله هو تخصيص وقت أكثر للكتابة البحثية منها والأدبية/ الإبداعية، كونها فعلاً مقاوماً، إذ لم أنجح في التفرّغ لذلك بسبب متطلّبات العمل.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- لا أنتظر من العالم شيئاً سوى العودة إلى الإنسانية. كلّ ما أجتهد لأجله هذه الأيام ألّا أضعف أمام مدّ العنف والقسوة والاستبداد الذي نشهده هذه الأيام، وأبقى ثابتاً على مبادئي وقادراً على الحفاظ على نفسي وعلى مُحيطي القريب ريثما أستعيد ملء طاقتي لمتابعة السير لتحقيق ما تيسّر من أهداف لي وللمجموعة الإنسانية التي أنتمي إليها وتتوق إلى "حياة عادية" كريمة.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- أبو العلاء المعرّي لأفهم كيف يتغلّب المرء على عماه ويشقّ طريقه في الحياة بخطوات ثابتة وبمواقف جريئة تعكس الحكمة وحِدّة البصيرة.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

- ليس لدي صديق واحد ألتجئ إليه دائماً وفي كلّ المواضيع، بل أصدقاء. وليس لدي كتاب واحد أعود إليه، بل كتب. أنا ممّن يعتقدون بأنّ لكلّ حادث حديثاً ولكلّ مقام مقالاً والحجّة تُقابَل بالحجّة ولا شيء يقف في وجه الإرادة شرط أن تعرف وتعترف بنقاط ضعفك ولا تدّعي العِلم والإلمام في كلّ شيء. وعند الحاجة أتوجّه إلى من لديه الخبرة والاختصاص من أصدقائي ومعارفي. لا تُسيّرني العاطفة، بل أعتمد العقل والمنطق وأُصغي لمشورة من يعتمدهما. وأعود إلى كتُب القواعد والبلاغة والقواميس الورقية والإلكترونية وكتب العروض، كلّما دعاني الشكّ إلى التيقُّن من مفردة أو من سلامة لفظ أو تفعيلة. وأقرأ من مرّة لمرة في "النبيّ" لجبران وفي "مقدّمة ابن خلدون".


■ ماذا تقرأ الآن؟

- أنهيتُ قراءة كتاب "في مهبّ الريح" لإيليا أبي ماضي وأقرأ هذه الأيام في ثلاثة كتب: "الطريق إلى الآخرة"، مؤلّف شعري للصديق الشاعر مرزوق الحلبي صدر أواخر الشهر المنصرم، و"فلسطين أربعة آلاف عام في التاريخ" للمؤرّخ نور مصالحة، بترجمته العربية الصادرة عن "مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت، وأُعيد قراءة رواية "عزازيل" للكاتب المصري يوسف زيدان.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- أستمع إلى أغاني حمزة نمرة، وهو مغنٍّ وموسيقي مصري شابّ مثقّف وصاحب نظرة صاحية إلى مُحيطه. في جزء أحبّه من أعماله، يعود إلى أغانٍ تراثية عربية يزور البلدان التي نشأت فيها ويعيد تلحينها وتوزيعها ويقوم بـ"ريميكس" من دون الابتعاد عن الأصل. فيرتفع بأغانينا ويحلّق في سماوات مُدن شتى عربية وأوروبية فتصفّق له وأُصفق له.



بطاقة

شاعر وباحث وحقوقي فلسطيني من مواليد دالية الكرمل في قضاء حيفا عام 1959. يعمل محامياً في القدس المحتلّة حيث يُقيم. صدر له اثنا عشر كتاباً، من بينها أربع مجموعات شعرية: "الخروج من الصمت" (1982)، و"تاق الجواد الراحة" (2016)، و"حالم عنيد" (2022)، و"مزامير لرفيق" (2022). كما صدرت له كتبٌ بحثية، من بينها:  أُخرى: "مصادرة الأرض في الضفة الغربية المحتلة" (1986)، و"الوضع القانوني لمدينة القدس ومواطنيها العرب" (1997).

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون