وزارة الثقافة الجزائرية: الأولوية للفولكلور

وزارة الثقافة الجزائرية: الأولوية للفولكلور

12 ديسمبر 2021
من تظاهُرة "سوق الفنّ" المُقامة حالياً في "أوبرا الجزائر"
+ الخط -

في زاوية من بهو "قصر الثقافة" بالجزائر العاصمة، جلسَت ثلاث نسوةٍ يرتدين أزياء تقليديةً على زرابيَّ مبثوثة وُزّعت عليها مجموعةٌ من السلال وأدوات المطبخ التقليدية، ورُحن يُحضّرن (أو يتظاهرن بتحضير) طبق الكسكسي التقليدي أيضاً، بينما تصدّت رابعةٌ لتقديم شروحات لوزيرة الثقافة التي أخذت تستمع إليها باهتمام بالغ، وقد شكّلَت مع مسؤولين وصحافيّين ومصوّرين حلقةً أحاطت بالمشهد الفولكلوري المُعَدّ بعناية جعلته بالغ التصنُّع، وراحت تُتابعه كما لو كانت بصدد مشاهدة عرض فرجوي، أو مشهد غرائبي.

لا تُخبرنا الصورةُ، التي نشرتها وزارة الثقافة الجزائرية في صفحتها على فيسبوك، بفحوى النقاش الذي دار بين الوزيرة وفاء شعلال والمرأة الثالثة. لكنّنا سنعرف، من خلال المنشور المرفَق، بأنّ الأمر يتعلّقُ بفعالية ثقافية عنوانُها "تويزة: موروثٌ ثقافي بين الإرث والممارسة"، أقامتها الوزارة لمناسبة "اليوم العالمي للتطوُّع" الموافق للخامس من كانون الأول/ ديسمبر من كلّ عام. و"التويزة" كلمةٌ أمازيغية تعني تعاوُن السكّان في عملٍ خيري كبناء منزل لشخص معوز، أو التعاوُن في مواسم الحصاد وجني الزيتون، وهي عادةٌ اجتماعية تنتشر في المناطق الريفية خصوصاً.

ضمن الفعالية، قدّم "المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان" ندوةً تناول المشاركون فيها "دور المجتمع المدني في الحفاظ على المواقع الأثرية والتاريخية"، بينما تحدّثت الوزيرة عمّا تحمله "التويزة" من "دلالات ثقافية واجتماعية عميقة"، مؤكّدةً أنّ "من الواجب حمايتها وتثمينها من خلال تسجيلها كتراث ثقافي لا مادي". أمّا مشهدُ النساء اللواتي يُحضّرن الكسكسي، فهو - كما نفهم من المنشور - جزء من معرض لجمعيات تنشط في المجال الثقافي يُبرز "تجارُبها العملية في ما يتعلّق بجميع أشكال العمل التطوُّعي وطبيعته وجوهره".

خُصّصت تظاهرة للمربّى بينما تُؤجل التظاهرات الأساسية بدعوى كورونا

يُقدّم ما تُسمّيه الوزارةُ "معرضاً" صورةً عن الكيفية التي تُفضّل الأخيرةُ أنْ تُقارب بها الشأن الثقافي؛ خصوصاً ما يتّصل منه بالتراث؛ إذ كثيراً ما تنزع إلى حشره في زاوية فولكلورية (نقصد المدلول السلبي من الكلمة)، من خلال اصطناع مشاهد فجّةٌ يتوزّعُ أبطالُها إلى جانبَين: يضمُّ الأوّل عناصر "فرجوية" قد تكون ماديةً أو غير مادية أو بشراً من لحم ودم، بينما يضمُّ الثاني ما يُشبه فريقاً من الأنثروبولوجيّين الذين لا تُغادر الدهشة ملامحهُم وهم يكتشفون مُجتمعاً كاملاً، بعاداته وتقاليده وأزيائه ولغاته ومعتقداته. لكن، إنْ كان الأنثروبولوجيّون يُتبعون لحظة الاكتشاف تلك بدراسات يُمكن الإفادة منها، فإنَّ المشهدَ الفولكلوري الفجّ لا يُسفر سوى عن بضع صُور تذكارية وشعارات عن "ضرورة حماية التراث" كما في صورة وزارة الثقافة.

من هنا، يبدو طبيعياً أن تُثير الصورةُ سخرية واستياء البعض، كما فعلت صُوَر نشرها حساب "أوبرا الجزائر" تُظهر جانباً من التحضيرات لإقامة ما أسمته "سوق الفنّ" الذي تحتضنه ابتداءً من يوم أمس السبت، وتُعرض فيه منتجاتٌ تقليدية، وما فعله أيضاً ملصقٌ لفعالية ثقافية أعلنت الوزارة عن إقامتها يومَي الخامس عشر والسادس عشر من الشهر الجاري بعنوان: "الحرفة اليدوية بين التقليد والمعاصرة: المربّى المنزلي أنموذجاً". مردُّ السخريةُ، هنا، هو تخصيصُ "تظاهُرة ثقافية" للمربّى المنزلي بينما يجري تأجيلُ التظاهُرات الثقافية الأساسية بدعوى جائحة كورونا. لكن قد يكون أيضاً عنوانُ الفعالية المغرَق في التقليدية، وتصميمُ الملصَق الذي تَظهر فيه عُلب المربّى كما لو كانَ ملصقاً ترويجياً لمُنتَج تجاري. كأيّ موضوع آخر متعلّق بالطعام، يُمكنُ معالجة موضوع المربّى من زاوية سوسيو- ثقافية. لكن، ربما، لن يكون علينا انتظار يومَي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين لنكتشف أنَّ الموضوع سيُحشر كالعادة في زاوية فولكلورية.

موقف
التحديثات الحية

المساهمون