وجوه رفعت سلّام: هاجس الشعر في الكتابة والتنظير والترجمة

وجوه رفعت سلّام: هاجس الشعر في الكتابة والتنظير والترجمة

09 ديسمبر 2020
(رفعت سلّام)
+ الخط -

كان الشاعر رفعت سلام (1951 – 2020)  الذي رحَل منذ أيام يمتلك إرادةً قوية، ورغبةً شديدة في الحضور والتحقّق؛ سواء عن طريق الشعر أو الترجمة أو إنتاج الأفكار. ففي الشعر، بدأ متأثراً بتجربة محمد عفيفي مطر، هو والشاعر حلمي سالم؛ وأصدرا معاً ديواناً مشتركاً بعنوان "حبيبتي مزروعة في دماء الأرض"، واشتركا معاً في إصدار مجلة "إضاءة 77" مع آخرين، وحدَث بينهما اختلاف كبير، أدى إلى خروج رفعت من المجلة، بعد تنافرٌ شديد، دفع رفعت إلى إصدار مجلة "كتابات" إلا أنها كانت ضعيفة الأثر، وكانت ردّة فعل غير محسوبة مما دفعها إلى التوقف. 

انشغل رفعت بتجربة أدونيس الفكرية، وحاول أن يقدّم رؤيةً ماركسية للتراث؛ في مواجهة رؤية أدونيس المثالية، وكان تأثيرها أيضاً ضعيفاً. فذهَب إلى الترجمة، وقدَم إنجازاً تاريخياً في الثقافة العربية، إذ ترجم الأعمال الكاملة لأربعة من الشعراء الكبار؛ اليونانييْن قسطنطين كفافيس ويانيس ريتسوس، والأميركي والت ويتمان، والفرنسي شارل بودلير، بجوار آخرين من الشعراء الروس.

تأخّر إصدار رفعت لمجموعته الشعرية الأولى لكثرة انشغالاته؛ الفكرية والترجمية، فبعد تأثّره بمحمد عفيفي مطر، ذهَب إلى أدونيس حيث البناء المركب والمعرفة، وهذ ما فعله معظم شعراء السبعينيات في العالم العربي، ولم تحقق تلك التجربة التي ارتبطت بأدونيس أيّة خصوصية شعرية، فانصرف النابهون منهم للبحث عن نمطٍ آخر، وقد وجَد رفعت في تجربة سليم بركات اقتراحاً شعرياً من الممكن أن يساعده، كما وجد في مرحلة أخرى في قصائد ريتسوس القصيرة نموذجاً حقيقياً فكتَب ديوانه "إنها تومئ لي".

تأخّر إصدار مجموعته الأولى لانشغالاته الفكرية والترجمية

وفي تجاربه الأخيرة، اهتمَ بالبنية الشعرية للقصيدة وأدخل الأصوات المتعدّدة، وحاول أن يمزّق الزمن ويجعله زمناً مركَباً عن طريق التجاور، إلا أنه كان تجاوراً قليل الفعالية ولم يخلق شيئاً جديداً، وإنما عكَس قدراً كبيراً من الافتعال ظهَر واضحاً في اللغة الكثيفة التي لا تقول شيئاً، وفي الألعاب الشكلية التي فرّغت القصيدة من شعريتها.

عاش رفعت في تناقضات كبيرة، فهو المناضل الماركسي الذي يعمل في "وكالة أنباء الشرق الأوسط" التابعة إلى أكبر الأجهزة السيادية في مصر، ثم زاوج بين الشعر والدراسات النقدية الفكرية، على طريقة أدونيس، فلم يوفّق كما كان يريد. أما مشروعه، فقد كان في الترجمة، خاصة وأنه أشرف مع زوجته راوية صادق على ترجمة الكتاب الأهمّ وهو "قصيدة النثر" لـ سوزان برنار كاملاً للمرّة الأولى في الثقافة العربية.

,شارك رفعت سلّام في معظم الفعاليات الثقافية في العالم العربي، وكان له حضور كبير بدءاً من "مهرجان المربد" في العراق، وغيره من المهرجانات في المغرب وتونس، وعمِل لمدة كبيرة كملحق صحافي لمصر في الجزائر، كما ساهم في تأسيس مجموعة من الملتقيات المصرية، سواء المهتمّة منها بالشعر أو الرؤية النقدية، ولم يحصل على أيّة جائزة من الدولة المصرية، كما لم يتمّ تكريمه في أيّ فرع من فروع المعرفة التي عمِل فيها.

كما شارك رفعت سلّام في ثورة 25 يناير عام 2011 بفاعلية كبيرة، وأصدر ديواناً خاصاً بها، كما وقف ضدّ الانقلاب العسكري، ورفَض بيع جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، وشارك في التظاهرة الكبرى أمام نقابة الصحافيين التي رفضت البيع وتمّ اعتقال ابنته يارا.

كان رفعت رجلاً نبيلاً ومحترماً وجادّاً إلى درجة كبيرة. وآخر صراعاته كانت مع مرض السرطان الذي اغتال معظم شعراء مصر من أمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، إلى رفعت سلام.

لروحهم السلام.


* شاعر من مصر

المساهمون