استمع إلى الملخص
- تُنظم الفعاليات الثقافية في أماكن محدودة مثل "مسرح محمد السادس" و"المعهد الفرنسي"، لكن المدينة تفتقر إلى دور سينما ومكتبات متخصصة، مما يقلل من خيارات العرض الثقافي.
- يُعتبر إشراك الشباب في المشهد الثقافي أمراً حيوياً، حيث تحتاج المدينة إلى فرص أكبر للشباب للمشاركة في أنشطة ثقافية ذات جودة عالية، مع ضرورة تعزيز البنية التحتية الثقافية.
تُثار في البلدان العربية ومن بينها المغرب أسئلة حول مركزية العاصمة أو بعض مدن البلاد في المجال الثقافي، وهامشية أو تهميش بعضها الآخر في ما يُعتبر أطرافاً، لكن النقاش يظلّ ضبابياً بدون فحص فعلي للواقع وللبنى التحية الثقافية لهذه المدن وبدون استنطاق أكثر الفئات التي تسهم الثقافة في تكوين وجدانها، أي شريحة الشباب.
تقف "العربي الجديد"، في هذا الاستطلاع، على أحوال وجدة الثقافية، المدينة المغربية العريقة في أقصى الشمال الشرقي على الحدود مع الجزائر والتي تُدعى "عاصمة الشرق"، من خلال الجيل الأحدث من كتّابها وناشطيها الثقافيين ممن ولدوا بعد عام 1990، لاستقصاء آرائهم حول واقع البنية التحتية الثقافية بالمدينة، وما هي المرافق الثقافية المتاحة لهم، وما إذا كانت تُلبّي احتياجاتهم وطموحاتهم، وما مدى تأثير هذه المنشآت على الإبداع وتطوير المشهد الثقافي في المدينة وفي جهة الشرق عموماً.
عبد الإله مهداد: قبل الفضاءات والبُنى التحتية، ماذا نقدّم؟
يرى الشاعر عبد الإله مهداد (1996) في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "المشهد الثقافيّ في مدينة وجدة اتّسم بالتنوع، إلى غاية استفحال وباء كوفيد، الذي أثّر على المشهد الثقافي عموماً، وكشف مدى هشاشة القطاع الثقافي في وجدة خصوصاً، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تجارب تستحقّ الإشادة، وهي تجارب استطاعت أن تؤثّث المشهد الثقافي في المدينة، رغم التحديات التي تواجهها والتي تتجلى أساساً في انعدام الدعم المادي والمؤسّساتي، إذ تعتمدُ هذه التجارب في أغلبها على مجهودات وتضحيات فردية".
في سياق الحديث عن البنية التّحتية الثقافية، يشير صاحب ديواني "الأبواب الخمسة" (2018) و"سيرة ناقصة" (2021) والذي يتابع دراسته بسلك الدكتوراه في علم الاجتماع، إلى أن "المسرح لدى اليونان كان سمةً أساسية لتمييز المدينة عن القرية، إذ فطن اليونانيون إلى أن المسرح لم يكن فضاءً للعرض فقط، بقدر ما كان مؤسّسة ثقافية واجتماعية وسياسية، فالمدينة (polis) مجالٌ للنقاش العام، وفضاء تحقّق فيه الديمقراطية. ورغم قِدَم مدينة وجدة التي يتجاوز عمرها ألف عام، إلا أنّ بنيتها التحتية الثقافية لا ترقى لدرجة تستطيع فيها مواكبة هذا التاريخ العريق، بل المفارقة أنها في تراجع مستمر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار دُور السينما التي أُغلِقت عن آخرها، والمكتبات التي استُبدلت بمحلّات تجارية... بالإضافة إلى بعض المؤسّسات الثقافية التي لا أرى أنها نجحت في أداء وظائفها المنوطة بها على أكمل وجه".
دُور السينما أُغلِقت والمكتبات استُبدلت بمحلات تجارية
وعلى عكس بقية المشاركين في هذا الاستطلاع، يظنّ مهداد أنّ "سؤال الفعاليات الثقافية يبقى أهمّ من سؤال الفضاءات والبُنى التحتية ومدى كفايتها، فرغم محدودية هذه الفضاءات إلا أنها تكفي، حسب ظنّي، للفعاليات الثقافية في المدينة، كما أظنّ أنها توجِبُ تشجيع وتيسير استغلالها على أكمل وجه، خصوصاً أن العديد من الجهات الثقافية تضطر أحياناً للتوجه إلى فضاءات أُخرى عوضَ استغلال منشآت ثقافية تأسست لهذا الغرض".
ويعتقد مهداد أنّ "ثمّة تراجعاً وطنياً على مستوى القراءة والتردّد على المكتبات، وهو ما نلمسه من خلال عدد المكتبات بالمدينة، والتي لا تتجاوز عدد أصابع اليد، بالإضافة إلى غياب مكتبات متخصّصة، ومحدودية فضاءات المطالعة، وأظن أن المكتبة، باعتبارها جزءاً من البنية التحتية، تكشف لنا مدى المركزية الثقافية التي تسيطر على المشهد؛ إذ يتركز الإنتاج الثقافي في مناطق جغرافية على حساب مناطق أُخرى".
ويختم مهداد حديثه لـ"العربي الجديد" بضرورة "مراجعة مفهوم 'الشباب' الوارد في سياق سؤالنا، كونه مفهوماً ضبابياً غير واضح، كما أنه 'صراعي' يستدعي نقيضه. خصوصاً في سياق الحديث عن الشأن الثقافي"، ويفضّل استبداله بـ"الجيل" أو تحديده في "تجارب" محددة.
نهيلة بلدي: بنية تحتية ثقافية محدودة مقارنةً بحجم المدينة
تجد الناشطة الاجتماعية نهيلة بلدي (2004) في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ واقع المشهد الثقافي في مدينة وجدة - باستثناء بعض التجارب اليتيمة - لا يرقى لتطلّعات الشباب الوجدي، ويظهر ذلك جليّاً في ضعف البنيات والمساحات الثقافية، وكذا تراجع الإقبال الجماهيري. أمّا بخصوص البنية التحتية الثقافية، فترى أنّ "في المدينة مرافق مهمة، مثل 'مسرح محمد السادس'، و'مكتبة مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية'، لكنها تظلّ محدودة مقارنة بحجم المدينة وطموحات شبابِها الثقافية... لا توجد دُور سينما، مما يقلّل من خيارات العرض السينمائي، رغم تنظيم مهرجان الفيلم الذي يعوّض هذا النقص جزئيّاً. أمّا النشاط المسرحي فيقتصر غالباً على مبادرات لا تشمل عروضاً مسرحية منتظِمَة".
وبالنسبة للفعاليات الثقافية ترى نهيلة بلدي أنها "تبرز من خلال مهرجان 'المعرض المغاربي الكتاب' وبعض المعارض والأنشطة المتفرقة. وتُنَظَّم هذه الفعاليات في أماكن محدودة، أبرزها 'المعهد الفرنسي' و'مسرح محمد السادس'، إذ يستضيفان عروضاً فنّية، وندوات، ومعارض، لكن هذا لا يبدو كافياً لتنشيط المشهد الثقافي بالشكل المطلوب، إذ يجعل الأنشطة الثقافية محصورة في نطاق ضيّق جدّاً".
كل مشهد ثقافي لا تؤثثه الطاقات الشبابية محكوم عليه بالفشل
وتختم مؤلّفة كتاب "تأمّلات على ضفاف نهر الإنسانية" (2023)، حديثها عن المكتبات، بقولها "تضمّ المدينة العديد من المكتبات العامة، مثل 'الخزانة الجهوية'، و'مكتبة مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية والاجتماعية'، و'مكتبة المعهد الفرنسي'، و'مكتبة الفضاء الأميركي'، لكنها تعاني محدودية التحديث، إذ تظلّ أغلب الكتب قديمة، ولا يتم تجديد المحتوى بما يواكب المستجدات الفكرية والعلمية. إضافة إلى ذلك، تفتقر هذه المكتبات إلى أنشطة ثقافية ديناميكية، مثل اللقاءات الأدبية، وورشات القراءة، ونوادي الكتاب، ما يقلّل من جاذبيتها للقرّاء والباحثين. وأخيراً أرى أنّ كل مشهد ثقافي لا ثؤثثه الطاقات الشبابية محكوم عليه بالفشل".
مريم أويحيى: المقارنات ليست في صالح وجدة
ترى الناشطة في مجال المسرح مريم أويحيى (1991)، أنّ "المشهد الثقافي بمدينة وجدة في محاولة دائمة للتطور، أمّا في ما يخصّ البنية الثقافية للمدينة فهي محدودة قياساً بحجم الطاقات الشابة الموجودة في المدينة"، وتُضيف: "هنا أتحدث عن المراكز الثقافية بالخصوص، التي وإن وُجدت غاب القائمون عليها الذين من المفترض أن يواكبوا الشباب المهتمّين بمجال الفنون، أما دُور سينما المدينة فتعيش عزلة عن هذا الفنّ تماماً، علاقة الوجديين الوحيدة بالسينما هي 'المهرجان الدولي المغاربي للفيلم' الذي يُشرف عليه خالد سلي، وهو الفرصة الوحيدة للاستمتاع بالسينما".
أمّا الأمكنة التي تنظّم فيها الفعاليات الثقافية، فترى أويحيى أنها تكاد تقتصر على "مسرح محمد السادس" و"المعهد الفرنسي" و"غاليري الفنون"، هذه أفضل أماكن العروض وتلقى رواجاً في المدينة.
وبخصوص المكتبات العامة، فتقول صاحبة مسرحيتي "غربة" و"مرتجلة الشرق": "خلال بحثي للماجستير قمت بجولة على كلّ المكتبات بالمدينة، ويمكنني القول إن كل الكتب قديمة، ليس هناك أي تحديث أو تجديد أو إضافات". وتختم لـ"العربي الجديد": "هناك فرق شاسع في المدينة ثقافياً بين 2012 وصولاً إلى يومنا هذا. وبالتالي هناك تطور لا بدّ من الإشارة إليه، إلا أن المقارنات دائماً لا تكون في صالحنا بالرجوع إلى مدن أُخرى مركزية".
شيماء ننتوسي: هل يكفي المعرض المغاربي للكتاب؟
شيماء ننتوسي، كاتبة قصة قصيرة من مواليد تالسينت عام 1993، وتدرس الهندسة المدنية وعلوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي في "جامعة محمد الأول" بوجدة، ترى في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "مقارنة المشهد الثقافي بمدينة وجدة مع ما يمكن تسميته بـ'المركزية'، يضع المدينة في ذيل قائمة المحافل الثقافية التي تُقام بالبلاد ككُلّ، بصفة المدينة عاصمة لجهة الشرق. ومن الضروري الالتفات أكثر لوجدة وإعطاء طاقاتها الشابّة فرصاً أكبر للمشاركة، وأيضاً الانخراط في أنشطة ثقافية ذات جودة عالية لا تقل عن نوعية الأنشطة التي يستفيد منها شباب "المدن المركزية".
وترى ننتوسي أنّ الفضاءات الثقافية "لا يتم الاستفادة منها كما يجب، إذا قمنا باستثناء مسرح محمد السادس، الذي يعمل بشكل سنوي مع المعهد الفرنسي، والذي يبدو الناشط الفعّال الوحيد في المدينة، إذ إن جيلَنا لم يعرف قاعات السينما ولم يحضر أغلبنا فيلماً سينمائياً يعرض بدار سينما بالمدينة، لأن أغلبها مغلق في انتظار شارٍ بثمن مُغرٍ ليحوّلها لشيء آخر. وما زلنا ننتظر "المركز الوطني للسينما" الذي وعد بإنشاء مجموعة دُور للعرض الخاص بالأفلام السينمائية".
وفي ما يخصّ المكتبات العامة، تقول صاحبة المجموعة القصصية "من السرّة حتّى البرزخ": "لا أحد يسمع عنها هنا أيضاً فأغلبها موجّه للطلبة الباحثين (مركز البحوث مثال) والمراكز الأُخرى في دُور الشباب مغلقة ويشرف عليها ما يمكن أن نطلق عليه "الموظّف الشبح" فهي مقفلة طوال اليوم ولا تخضع لمراقبة. أمّا الغاليريات، فحالها حال المسرح، إذ تعمل بتنسيق مع المعهد الفرنسي وفيلا الفنون وبعض الجمعيات المتعاونة والمختصة مثل 'مجموعة تزوري'، لكنها تقدم دائماً نفس التجارب ونفس الأسلوب تقريباً".
وعن المهرجانات الثقافية، تُضيف: "تهتم فئة مهمة من شباب وجدة بالعمل السينمائي، فتنظّم كل سنة مجموعة من المهرجانات، كـ'المهرجان الدولي للسينما' و'المهرجان المغاربي لسينما الهُواة'. تشتهر المدينة أيضاً بإقامة مهرجان الراي السنوي، إلا أنها توقفت عن تنظيمه منذ سنة 2019 لأسباب تنظيمية وسياسية واقتصادية، نستطيع الحديث أيضاً عن مهرجانات الشواطئ التي تقام بمدينة السعيدية التي تبعد عن مدينة وجدة بنحو ستين كيلومتراً".
أما في ما يخص الأنشطة الأدبية فترى شيماء أن "أبرزها 'المعرض المغاربي للكتاب'، الذي أقيمت دورته الأخيرة في نيسان/ إبريل من العام الماضي، لكنه غير كاف نظراً لعدد الناشرين القليل نسبياً، إذا قمنا بمقارنته بحجم المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي يقام سنوياً بمدينة الرباط، والذي نضطر للحج إليه من مدينة وجدة، بحثاً عن عناوين لا توفرها لا المكتبات العامة ولا أكشاك الكتب ولا المعرض الوحيد الذي يقام في مدينتنا".
وتتّفق شيماء مع أغلب المشاركين في هذا الاستطلاع، على أن: "المكتبات العامة في المدينة شحيحة، بعضها يغطي الغبارُ كُتُبَها إذ لا يزورها أحد، وربما إذا قمت بزيارتها داخل ساعات العمل ستجدها مغلقة، ومعظم الكتب هي من فئة الكتب التجارية الرائجة، إذ لا نستطيع العثور على كتب الأدب العالمي المترجم مثلاً، ولا حتى على الكتب بلغات أجنبية بحكم أننا نستطيع قراءة اللغة الفرنسية والإنكليزية، ناهيك عن الكتب الفكرية والسياسية، لذا ننتظر فرصة السفر لمدن أُخرى ذات استقطاب أوسع لنجد الكتب التي نبحث عنها، أو ربما ننتظر سفر صديق لواحدة من المدن 'المركزية'".