وادي السيليكون

26 يناير 2025
عمل للفنّان الإيطالي فيلينو
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- السيليكون، العنصر الكيميائي الوفير، أصبح مهيمنًا في عصر المعلومات، مشابهًا لعصور الحجر والبرونز والحديد، حيث يستخدم في التكنولوجيا الحديثة التي تحكم حياتنا اليومية.
- رجال السيليكون، مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، يسيطرون على وادي السيليكون، ويفرضون قواعد العالم الرقمي الذي نعيش فيه، مع تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي.
- السيليكون يمتد تأثيره إلى كل جوانب الحياة، من التكنولوجيا إلى العلاقات الإنسانية، حيث يرمز إلى التقدم والفراغ في آن واحد، ويعيد تشكيل التاريخ والمستقبل.

كلُّ ما أستخدمه لكتابة ونشر هذه الكلمات، وكلّ ما تستخدمه لقراءتها (إن لم تكن تفعل ذلك على الورق؛ وهذا صعب في الكثير من البلدان العربية لأسباب متعلّقة إلى الآن بالرقابة أو بشيء آخر) يتحكّم فيه رجال السيليكون.

السيليكون هو من العناصر الكيميائية الوفيرة في الطبيعة، حيث يأتي في المرتبة الثانية من حيث وفرته في الكون، وهو ينتشر في شكل رمل أو على شكل معادن، يُصنَّف بعضها ضمن الأحجار الكريمة كالعقيق أو اليشب.

في أواخر القرن العشرين، دخلت البشرية في عصر السيليكون؛ لكونه العنصر المهيمن في عصر المعلومات، وذلك على نحوٍ مشابه لتسميات عصور اقترنت بالمواد السائدة حينها، مثل العصر الحجري، أو البرونزي، أو الحديدي.

شخصٌ مثلي لا يمكن أن يكون إلّا سفيراً للأشلاء والشظايا والعطش

في بعض الحضارات القديمة، كالمصرية والصينية والفينيقية، استُخدم السيليكون في صناعة الأواني والحلي، وكذلك الزجاج. كما كان يُستخدم في إنشاء المساكن البشرية الأُولى.

اليوم، يحكم السيليكون العالم، وله رجال: إيلون ماسك (إكس، تيليسا، سبيس إكس)، مارك زوكربيرغ (ميتا)، جيف بيزوس (أمازون)، سوندار بيتشاي (غوغل)، تيم كوك (آبل) وغيرهم. إنّهم سادة وادي السيليكون؛ تلك المنطقة الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتّحدة، وأباطرته المرئيون واللامرئيّون، الذين يُملون علينا قواعد العالم الذي أتينا جميعاً لنعيش فيه، ونرتبط به، ونعمل، ونتواصل، ونكتب، ونحب. سوف يفرضون ذلك بشكل أكبر مع تقدّم الذكاء الاصطناعي.

في الحقبة الثانية لسيّد السيليكون الأوّل، ترامب، قام "العباقرة المبدعون" الذين أعلنوا عن أنفسهم في وادي السيليكون بإزالة أقنعتهم في حفل تنصيبه، وكلّهم صفقوا واحتفوا بأسوأ البشر في التاريخ.

■ ■ ■

لساني بين شفتيها. أريد أن أتعلّم منها لغات لا حصر لها كي أكون جديراً بآيات السيليكون وطلاسمه. الوقت من حولي يتناثر حول الأعضاء التي تُخلق بهيئات جديدة. السيليكون يغزو المكانَ والشهوةَ وكلَّ عضو تحتكُّ به أطرافي. لحظتنا رذاذٌ ولكنّي لا أرى أيَّ نورس قادم. وكلُّ شيء يحتفي بها ويلبس ثوب الرمادي الأزرق البارق: العشب، الغيم، الورد، الشعر، الحبّ. حتى خلايا الضوء التي كنت قد اتّخذتها رمزاً لأيامي.

أتعلّم من جسدها السيليكوني أن أطارد الموج وأفرك به أعضائي. لا لشيء سوى لأنّ مواد كيمائية تتفاعل في أحشائي. هنا في هذا العالَم الذي أعيش فيه، حيث اليقين بلا قوائم، يحيك السيليكون أشعّة شمسنا ويستنطق القمر فيما تتقدّم الأشياء كلّها قبل أوانها في سلالات تحمل إلينا رسائل الفراغ الذي يقرع الأجراس ويعشعش في أحشاء تاريخنا. لا شيء إلّا الموت أو السيليكون الذي يلبس عتبات المساجد والكنائس والأجساد.

أحاول، أنا العابر، أن أسأل عن الواقع بصيغة مضارع فاعله مستتر. أقدّم أوراق اعتمادي للسيليكون، لكنّ شخصاً مثلي طافح بالنوارس لا يمكن أن يكون إلّا سفيراً للأشلاء والشظايا والعطش.

السيليكون يتزوّج الزمن. السيليكون يرتجل التاريخ ويكتب الفضاء القادم. السيليكون يتقدّمّ كل شيء.
حتى المرأة التي أحبّها باعت رحيقها للسيليكون.


* كاتب وشاعر سوري مقيم في إسبانيا

المساهمون