هدى النعيمي في "حديث الألف": من المختبر إلى كتابة سيرة ذاتية

07 مارس 2025   |  آخر تحديث: 07:27 (توقيت القدس)
من الندوة (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أكدت الكاتبة هدى النعيمي في ندوة "حديث الألف" على أهمية الصدق في كتابة السيرة الذاتية، مشيرة إلى أن سيرتها "حين يبوح النخيل" تعكس محطات حياتها وتجربتها مع سرطان الثدي، وتوازنها بين الأدب والعلم.
- تناولت النعيمي في سيرتها تأثير مسلسل "الطيور المهاجرة" عليها، مؤكدة على أهمية دعم عائلتها في تحقيق طموحاتها، وسعيها لبناء هوية نسائية مستقلة بعيداً عن الضغوط الاجتماعية.
- في روايتها "زعفرانة"، تناولت ثورة ظفار في عُمان، وأكدت أن التاريخ ملك للجميع، ونجحت في المزج بين الفيزياء النووية والكتابة الأدبية.

تقرُّ الكاتبة القطرية، هدى النعيمي، في ندوة "حديث الألف"، التي أقيمت بمكتبة "ألف"، التابعة لمجموعة "فضاءات ميديا"، رداً على سؤال مقدّمة الندوة، الروائية اللبنانية هالة كوثراني، أنَّ السيرة الذاتية يجب أن تكون صادقة "وإلا ما معنى أن تكون سيرة ذاتية؟ إذا لم تكن كذلك، لكتبتها بنوع أدبي آخر، رواية، مسرحية ...إلخ". تقول ذلك وتعرج في سيرتها "حين يبوح النخيل"، على محطات من حياتها الشخصية والعملية، انطلاقاً من المدرسة الابتدائية في الريان القديم، وحتى الحصول على دكتوراه في الفيزياء الطبية، لتجد نفسها تراوح بين العلم والأدب، وتبدع في المجالين.

كشفت النعيمي أنَّ أحد دوافعها لكتابة سيرتها الذاتية أنّها تُسأل كثيراً: لماذا تكتبين الأدب وأنتِ عالمة فيزياء؟ فأجابت عن السؤال بكتابة "حين يبوح النخيل" (دار جامعة حمد بن خليفة للنشر/2022)، والتي بدأت من نقطة زئبق تسقط في المختبر القديم، وتتدحرج النقطة أمامها فتلاحقها الكاتبة من محطة لأخرى، دون أن يغيب البوح وتقفز نقطة الزئبق في العالم من محطة إلى أخرى لتقف مع الكاتبة وقفة طويلة في نيويورك، إذ تروي حكايتها الخاصة مع سرطان الثدي، ورحلة العلاج التي تخلّلتها محطات قاسية داخل أسوار المستشفيات.

ترى أن التاريخ ملك للجميع وليس حكراً على الجغرافية

وتذكر النعيمي في سيرتها الروائية تأثرها بمسلسل قطري قديم بعنوان "الطيور المهاجرة"؛ عُرض مطلع الثمانينيات، وعكس رؤيتها للحياة. منذ الصغر، كانت تعي أنّها لا ترغب في أن تكون مثل الشخصيات النسائية الضعيفة والمستسلمة التي قدّمها المسلسل الدرامي. هذه التجربة أثّرت فيها ودعتها لإعادة تشكيل حياتها وفقاً لرغباتها وأهدافها، بعيداً عن النماذج التقليدية، ولا تريد أن تكون "منكسرة". 

تؤكد أيضاً أنّها لم تسعَ للاختلاف لمجرد الاختلاف، بل أرادت أن تكون قوية ومستقلّة، وأن تكون كما تريد وليس كما يريد الآخرون، وأن تتعلّم وتحقّق طموحاتها دون أن تكون محصورة في الأدوار المنوطة بها في المجتمع، وتحدّثت عن دعم عائلتها لها في مواصلة تعليمها، وعدم وجود معارضة لرغبتها.
 
تكرّس "حين يبوح النخيل" أهمية القوة والاستقلال في حياة النساء، بحيث تبني كلّ واحدة منهن هوية خاصّة بها، بعيداً عن الضغوط الاجتماعية والقبلية.  نقرأ في خواتيم السيرة: "وها هي خرزة الزئبق تعود إلى المكان الذي انطلقت منه لا أدري منذ متى، وتستقر على الصفحة المستوية أمامي، وتدفن نفسها في الورقة، وتختفي، ويظل بريق لونها الفضي في عيني، مثل السلام الذي أنشد". 

هدى النعيمي - القسم الثقافي
هدى النعيمي (حسين بيضون/ العربي الجديد)

ثمّة بوح حزين في كتاب سيرة النعيمي، ما دعاها لأن تذكر أنَّ عينيها اغرورقتا بالدمع عندما قرأت أهزوجة "أم الحنايا" التي تصف حال النساء اللواتي يودّعن أزواجهن وآبائهن وأعزائِهن، الذين ركبوا "أم الحنايا" في رحلة لطلب الرزق، فربّما يكون ذلك هو الوداع الأخير، حال أهل الخليج قبل اكتشاف النفط. وتوضح الكاتبة في لقائها أنّ أهزوجة "أم الحنايا"؛ وهي اسم سفينة ذائعة الصيت في قطر للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، حاضرة في التراث، "حاضرة فينا" على حد قولها، وهي أكثر الأهازيج أو الأغاني الشعبية انتشاراً على أرض قطر، وخاصة لدى أهل الساحل، يرددونها مع اقتراب موسم "الدشة"، وهو بدء دخول الغوص الذي يستمر لأكثر من أربعة أشهر، وقد تودي رحلات الغوص بحياة البعض. 

تقول الأغنية الأهزوجة: (أمّ الحنايا يدّفوها على السيف / كلها صبيان تجرّ المياديف/ يا رايحين الغوص باسير وياكم / لي جرّوا الميداف با آجر وياكم/ لاقعد على (الفنّة) وأسمع حكاياكم / يا نواخذاهم لا تسلّط عليهم/ ترى البحر بارد غَصْب عليهم / ترى حبال الغوص قطع أياديهم).
 

الرواية الأولى

في روايتها الأولى "زعفرانة"، تتطرّق الكاتبة إلى ثورة ظفار في عُمان، التي اندلعت في عقد الستينيات ضدّ الاستعمار البريطاني. أما عن سبب تناولها أحداثاً في غير بلدها قطر، ترى النعيمي أن التاريخ ملك للجميع، وليس حكراً على الجغرافيا. تقول: "ما حدث في ظفار أثّر فينا، وجغرافية المنطقة ليست بعيدة عنا"، لافتة إلى أن انتهاء الانتداب البريطاني كان جراء "حرب ظفار"، ومعربة في الوقت نفسه عن استغرابها من أنَّ مناهج التعليم التي درستها لم تأت على ذكر هذه الحرب. تقول: "لم أقرأ في كتب التاريخ عنها، حتى طالعت رواية "وردة" للكاتب المصري صنع الله إبراهيم". 

تروي حكايتها مع سرطان الثدي ورحلة العلاج التي تخلّلتها

الشخصية الأساس في الرواية هي "زعفرانة"، التي تنحدر من "الذخيرة"؛ وهي قرية شمالي قطر، ولدت فيها في ثلاثينيات القرن العشرين، ترحل مع زوج أحبّته وأخلصت له، إلى جبل ظفار في عُمان، وهناك تُرزق بثلاثة أولاد، تفرقوا إلى مصر وبلدان أخرى لتعود زعفرانة إلى الحي الذي ولدت وعاشت فيه، حيث أصبحت عجوزاً تستند إلى عكاز، وصار أهالي الحي يتساءلون هل هذه المسنة هي ذاتها التي غادرت القرية مع الزوج الذي أحبّته قبل نحو نصف قرن؟  
 

الظلّ له أنياب

وخلال الندوة كان لا بدَّ من قراءة مقتطفات من أعمال النعيمي، وقد قامت بذلك مذيعة "التلفزيون العربي" سونيا الوافي، حيث قرأت نصاً من رواية "الظل يحترق" جاء فيه: "الظل الذي كان يجاوره على المقعد كان أسود داكناً وخشناً، وله أنياب حادة ونظرات شرسة، لم يتعوّد من ظلّه أن يكون بهذا الجفاف والقسوة، لكنّه اليوم يشعل مقعده سخونة وعنفاً، لم يتحمّل امتداده الأسود القاتل. هبَّ واقفاً ليتجنّب التصاقه به. امتدَّ الظلُّ على الأرض حتّى وصل إلى الرصيف الآخر. كانت العربات تدوس الظلّ بلا رحمة وكان سعيداً بتعذيب ظله". غير أن الكاتبة القطرية كان لا بد أن تشير إلى أن الظل في هذا الجزء من الرواية يُشير إلى الألم النفسي الذي يشعر به الشخص بسبب قسوة أفعاله وأخطائه، مؤكّدة أنه يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه البطل، والذي يعاني من تأنيب ضميره بسبب تصرفاته الماضية، ويُظهر كيف أن هذا الصراع مع الضمير السيئ يمكن أن يتسبّب بمعاناة مستمرة، حتى عندما يسعى الشخص لتجاوز آثاره، يصبح كظل دائم يرافقه، ويعكس مدى تأثير الأفعال السلبية في النفس. باختصار العمل يتناول الألم الناتج عن الظل، وكيف يمكن أن يظل هذا الظل المظلم يلاحق الشخص حتى بعد محاولاته للتخلص منه. 

وفي انسجام يُحسب للمؤلفة حول شخوص روايتها، لا سيما الشخصية الرئيسية زعفرانة، أكدت النعيمي في نهاية حوارها أنّها تحمل بذرة زعفرانة، لكنّها ترى أنه من الصعب عليها أن تحكم إذا كانت الكاتبات الخليجيات يحملن البذرة ذاتها.

نجحت هدى النعيمي في المزج بين تحصيلها العلمي؛ وهي الحاصلة على دكتوراه في الفيزياء النووية من "جامعة القاهرة"، وبين الكتابة الأدبية، إذ كتبت الرواية والقصة والمسرح. اختيرت عضواً في لجنة تحكيم جائزة الرواية العربية العالمية "البوكر"،  وجائزة "كتارا" للرواية العربية. صدر لها في القصة: "المكحلة"، و"أنثى"، و"حالة تشبهنا" و"أباطيل". وفي السيرة الذاتية "حين يبوح النخيل". لها في الرواية "زعفرانة" (2024). وفي مسرح الطفل، لها مسرحية بعنوان "النبع الذهبي والأخيار الثلاثة".

المساهمون