هاشم نعمة فياض.. الهجرة من منظور تنمويّ

هاشم نعمة فياض.. الهجرة من منظور تنمويّ

07 فبراير 2022
جنان مكي باشو/ لبنان
+ الخط -

صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "العلاقة بين الهجرة الدولية والتنمية: من منظور البلدان المرسِلة للمهاجرين" لأستاذ الدراسات السكانية والجغرافية والباحث العراقي هاشم نعمة فيّاض، في محاولة لسدّ النقص في حقل معرفي لا يزال الاهتمام العربي فيه ضعيفاً رغم أن المنطقة تتأثّر بالهجرات على نحو كبير.

يبحث الكتاب في اتجاهات الهجرة الدولية ببعديها الزماني والمكاني على المستويين العالمي والعربي، ومقرّرات الهجرة الدولية على مستويي البلدان المرسلة للمهاجرين والمستقبلة لهم. ويحلّل إشكالية العلاقة بين الهجرة والتنمية، وتحويلات المهاجرين وعلاقتها بالتنمية، ويعالج تأثيرات الهجرة الدولية خصوصاً في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي، كما يتطرّق إلى معالجات تتعلق خصوصاً بتنظيم الهجرة الدولية والاتفاقيات الدولية الخاصة بها واندماج المهاجرين.

تناول المؤلّف في الفصل الأول المنطقة العربية والهجرة إلى أوروبا وإلى بلدان الخليج العربي، وتحدّث عن الهجرة الماهرة والهجرة غير النظامية، وكذلك عن الهجرة الطلّابية، ومخاوف أوروبا من الهجرة، مبيّناً أن التنمية تراهن على التغيير الإيجابي والهيكلي القادر على الاستمرار والديمومة، وهي بذلك ليست قالباً جامداً أو آلية ثابتة، بل هي متغيّرة بتغيّر معطياتها وظروفها والعوامل المساهمة فيها والنتائج المرجوّة منها.

يبحث الكتاب في اتجاهات الهجرة الدولية ببعديها الزماني والمكاني على المستويين العالمي والعربي

من خلال التحليل الاقتصادي للهجرة وسياستها، تبرز ثلاث حقائق، وفق الكتاب. الأولى؛ تترافق الهجرة الأكبر في المعتاد مع الاقتصاد الأكبر؛ لذلك ثمّة نزعة، إلى جانب الهجرة بالنسبة إلى الأفراد والحكومات، إلى السعي لتعظيم النموّ الاقتصادي. الثانية؛ يكون المهاجرون الذين يتوفرون على دخول أعلى وفرص أكثر في بلدان المقصد هم الرابحين الأساسيين من الهجرة الاقتصادية، ويزيد وجودهم من الحجم الصافي للاقتصاد، علماً أن التأثيرات الاقتصادية الرئيسة للمهاجرين تتوزّع لتؤثّر في الأجور والأرباح. الثالثة؛ تعني الهجرةُ المنظّمة في البلدان المضيفة للمهاجرين، مثل الولايات المتّحدة، إنفاقَ جزء من أموال الضرائب من أجل السيطرة على الهجرة لجعلها تحت المستوى الذي ستصل إليه مع قليل من الضوابط أو من دونها.

ويوضح المؤلّف كيف أن الهجرة الدولية للعمالة باتت مكوّناً مهمّاً من مكوّنات العولمة والتنمية الاقتصادية في كثير من البلدان الأقلّ تطوّراً، لكن لماذا تبدو الهجرة معزّزة للتنمية الاقتصادية في بعض الحالات ولا تفعل ذلك في حالات أخرى؟ هنا يشير إلى أن الدراسات الاقتصادية الحديثة تذهب إلى أن هناك ترابطًا محكماً بين الهجرة والتنمية؛ فالتنمية تشكّل الهجرة والهجرة في المقابل تؤثّر في التنمية.

الصورة
غلاف الكتاب

على عكس التأثيرات السلبية، أُعطِيَت التأثيرات الإيجابية للهجرة الدولية اهتماماً أقل. وتقول خلاصة البحث الأكاديمي، بصورة متزايدة، إن التأثيرات السلبية لا يمكن إنكارها؛ فهي في حاجة إلى التوازن مع التأثيرات الإيجابية التي تشمل دخل التحويلات، والمضاعفات الاقتصادية التي يبدو أنها تزيد من إنتاجية الزراعة، وتقلّل الفقر وتحدث محفزات للاستثمار في التعليم والصحة، والتي تعتبرها بعض الدراسات في النهاية تصب في تعزيز الإنتاجية.

وتتضمّن مزايا الهجرة الرئيسة، التي تعود بالنفع على بلدان الهجرة المغادِرة، التأثير الإيجابي للتحويلات المالية في التخفيف من حدّة الفقر، وفي زيادة احتياطي العملات الأجنبية، وتحسين ميزان المدفوعات، وكذلك انتقال المعرفة والمهارات عند عودة المهاجرين إلى أوطانهم، سواء كان ذلك بصفة مؤقّتة أو دائمة وعلى أساس افتراضي أو مادي. كما تخفّف أيضاً من ظاهرة البطالة، وتزيد من مستويات المشاريع المحلّية عبر خلق فرص جديدة أمام القطاع الخاص.

إضافة إلى ذلك، غالباً ما يُسهم المهاجرون في عمليات التحديث والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، سواء كانوا في الخارج أو عند عودتهم إلى أوطانهم. كما يمكن أن تؤدي الهجرة أيضاً إلى تمكين المرأة، والمجموعات الأخرى، من حقوقها والتي تعاني وضعاً اجتماعيّاً أضعف في بلد الأصل، بشرط أن تتوافر الإجراءات الوقائية الكافية لمنع استغلال هذه المجموعات (كالعمّال والعاملات في قطاعات تفتقد مواثيق عمل ناظمة لها كالعمالة المنزلية والزراعية)، علماً أن العمل في هذه القطاعات بات شائعاً في عدد من البلدان العربية، وخصوصًا الخليجية منها.

ويمكن أن تعود الهجرة المؤقّتة والموسمية بالنفع على المهاجرين أنفسهم، كتوافر الفرصة لتحقيق التنمية الذاتية والمهنية (مثل اكتساب المهارات والمعرفة، والاتصال، واكتشاف ثقافات جديدة)، وتمكّنهم من المساهمة بصفة ملموسة في تنمية أوطانهم عبر التحويلات المالية والمهارات ونقل المعرفة. وكذلك تساعد الهجرة المؤقّتة في خفض التكلفة الاجتماعية الناتجة من الهجرة الطويلة الأمد، مثل التباعد بين أفراد العائلة لوقت طويل.

المساهمون