نزيه أبو نضال.. سيرة متعدّدة للمثقف السياسي

22 ابريل 2025
نزيه أبو نضال (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلن الكاتب الأردني نزيه أبو نضال عن بيع مكتبته التي تحتوي على ثلاثة آلاف كتاب، مما أثار تضامنًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
- انضم أبو نضال إلى المقاومة الفلسطينية بعد نكسة 1967، واستخدم الكتابة كوسيلة للتحريض الثوري، وكتب في مجالات متعددة مثل القصة القصيرة والنقد.
- عمل في مواقع إعلامية وثقافية ضمن حركة "فتح"، وكتب سير قادة ومناضلين، وشارك في تحرير مجلة "تايكي"، معبرًا عن الواقع القاسي للمثقف العربي.

في نهاية فبراير/ شباط 2021، نشر الكاتب الأردني نزيه أبو نضال، الذي رحل أمس الاثنين، إعلان بيع مكتبته التي تضمّ نحو ثلاثة آلاف كتاب. خبر لم يمرّ مرور الكرام حينها، إذ اجتاحت صفحات التواصل الاجتماعي موجة من التضامن مع المثقّف الملتزم الذي ناضل لأكثر من ثلاثة عقود في صفوف المقاومة الفلسطينية، ثم عاد إلى بلاده ليتدبّر شؤون حياته من مكافآت قليلة على مقالات ينشرها هنا وهناك.

حادثة فتقت جروحاً لدى الراحل، عبّر عنها في حديث مطوّل إلى "العربي الجديد" سرَد خلاله سيرة ثرية ومتعدّدة ابتدأت في سنّ المراهقة، خلال خمسينيات القرن الماضي، لطفل نشأ في عائلةٍ تحتوي مكتبتها الصغيرة على كتب "ألف ليلة وليلة" وسيرة عنترة وسيرة بني هلال والظاهر بيبرس، والتي دفعته إلى مطالعة كتب فكرية وسياسية وهو على مقاعد الدراسة الثانوية.

يقرّ أبو نضال (1943- 2025) في ذلك الحديث أن التحاقه بعد نكسة يونيو/ حزيران عام 1967 بصفوف المقاومة الفلسطينية لم يكن مسكوناً بهواجس المثقّف بل برغبة المهزوم العربي بالقتال المسلّح لاستعادة الرجولة المفقودة والمساهمة في الرد العسكري على الهزيمة المذلّة لاستعادة شرف أهدر حدّ المهانة. ومثل بقية أبناء جيله الذين سلكوا هذا الخيار، نظر إلى الكتابة باعتبارها وسيلة للتحريض والتبشير بـ"يوتوبيا" ثورية، وليس انحيازاً لجمالياتها وفنياتها طبعاً. غير أن تلك المناخات لم تلغِ لدى الشاب الأردني غطاس جميل صويص (قبل أن يتسمّى باسمه الحركي) الذي ينتمي إلى عائلة أردنية مسيحية، طرح أسئلة تنقض البنى الاجتماعية والسياسية السائدة؛ أسئلة كلّفته التناقض مع سلطات عديدة ودفع فواتير باهظة لاحقاً.

التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967

في سيرة الراحل الكثير ليقال عن إنسان نبيل، لم تخرجه انحيازاته ومواقفه السياسية عن اتّزانه وحفظه الودّ لخصومه، وهو ما توضّحه كلمات الرثاء الرقيقة التي نشرها رفاق من فلسطين وسورية والأردن تحديداً، ويقال عن جدّه واجتهاده حتى آخر أيامه في اتجاهات مختلفة مثل كتابة القصة القصيرة والنقد، أو السيرة الغيرية وتحقيق مذكرات سياسيين، أو كتابته حول الإبداع النسوي، أو الدراما العربية، وبالطبع تحوّلات الثقافة العربية في سياق التحرّر الوطني، ذلك الأمل الذي كان يرتسم دائماً مع ابتسامه وهدوئه وسلاسته في النقاش.

من يُنصت لأبي نضال وهو يروي قصته، ينتبه سريعاً إلى توثيقه لها بالمطبوعات والصور الفوتوغرافية، كأنه تقصّد أن يشهد على حياته، وعلى أفعاله، وقناعاته، التي آمن بها وتصرّف انعكاساً لها، وتصالح مع ذاته حتى رحيله. في أرشيف يتضمّن كل كلمة نشرها هو، ونشرها كتّاب اهتمّ بمتابعتهم على الدوام، وكذلك صوره التي تجمعه مع رفاق الرحلة، وغيرهم ممّن التقاهم صدفة وعلى ميعاد، مثل محمود درويش ورشاد أبو شاور وإحسان عباس وأحمد دحبور وأبي ماهر اليماني وسعد صايل وسعيد مراغة أبي موسى وغيرهم.

كتَب في القصة والنقد والفكر وعدداً من المسلسلات الإذاعية

ترافق عمله العسكري في صفوف "فتح" منذ نهاية الستينيات، مع عملٍ في مواقع إعلامية وثقافية عديدة في مؤسسات الحركة ومنظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً من جريدتها اليومية ومجلة "فلسطين الثورة"، وإذاعاتها في عمّان ثم دمشق ثم بيروت. في تلك المرحلة، ظهر اهتمام أبي نضال بإعادة كتابة سير عدد من القادة والمناضلين افتتحها بـ""كراس الشيخ عز الدين القسام"، ولكن العمل الأهم كان في إعداده وتقديمه "مذكرات أبو إبراهيم الكبير" (خليل محمد عيسى عجاك)، أحد أبرز قادة ثورة القسام.

بعد حياة محتشدة ومليئة بالأحداث، عاد أبو نضال إلى عمّان مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعكف على أكثر من مشروع، إذ كتب العديد من المسلسلات الإذاعية التي فاز بعضها بجوائز عربية، معظمها استند إلى شخصيات تاريخية، منها "ابن المقفع" و"أبو ذر الغفاري"، أو نصوص أدبية معاصرة مثل رواية "جمعة الغفاري" لمؤنس الرزاز، وقصة "نفَس تنباك" لخليل السواحري، وقصة "بائع الأنتيكة" لسحر ملص. إلى جانب عمله ضن هيئة تحرير مجلة "تايكي" التي اختصت بالإبداع النسوي وصدرت بانتظام منذ عام 2001، وترأست تحريرها القاصة بسمة النسور، حتى توقُّفها بعد نحو عقدٍ، وكتابة مقالات نقدية في صحف أردنية وعربية.

اثنان وثمانون عاماً مسكونة بالأمل والعمل الدؤوب، هكذا عاش نزيه أبو نضال، لكن إرادته المتفائلة لم تحجب تشاؤمه إزاء الواقع، وأستذكر هنا مقولته في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المواطن كما المثقف العربي، على مساحة الوطن العربي، ربما باستثناءات طفيفة، يخضع لوقائع استغلال وقهر هائلَين، سواءً على مستوى الرغيف أو الكلمة، فيما تتربع فوق قمة السلطة طبقة قمعية نهّابة تمتلك كل شيء وتؤجر دورها ومصالح بلادها لمراكز الهيمنة الرأسمالية العالمية ولاحقاً الصهيونية".

المساهمون