ندوة لـ"المتحف البريطاني": الفن باعتباره مرآةً لتونس

ندوة لـ"المتحف البريطاني": الفن باعتباره مرآةً لتونس

12 يونيو 2021
عمل لـ بلال البوريني، المعروف بـ"زو بروجكت"، في المدينة القديمة بتونس (Getty)
+ الخط -

في أحد المعاني، يمكن لعمل مؤرّخي الفن في البلدان العربية أن يكون زاويةً أو مقدّمة لدخول تاريخها العام، باعتبار أن الفنّ لطالما لم يوثّق فقط لمراحل تطوّرها وللأزمات أو الأزمان المفصلية التي عرفتها، بل عايش أيضاً لحظات المنع والرقابة، وسجّل التغيّرات الاجتماعية والسياسية التي لم يكفّ الفنانون العرب عن متابعتها وإعادة إنتاجها في اشتغالاتهم.

لا تشذّ الحالة التونسية عن هذه القاعدة، إذ يمكن تتبّع تاريخ البلد، منذ الفترة التي كان يعاني منها من الاحتلال والقمع الفرنسيين، مروراً بالاستقلال والتغيّرات السياسية التي عرفها بعده، وصولاً إلى الثورة التي اندلعت نهاية عام 2010، وتُوّجت برحيل زين العابدين بن علي من البلاد.

"تونس: الفن بوصفهم مرآةً" عنوان ندوةٍ افتراضية أقامها، أمس الجمعة، "المتحف البريطاني" في لندن، وشارك فيها كلّ من الفنّان نضال شامخ، ومؤرّخ الفن رضا مومني، وسلمى فرياني، القائمة على رواقٍ فنّي يحمل اسمها في سيدي بوسعيد بالقرب من تونس العاصمة، وكذلك فاطمة كيلاني، مؤسّسة منظّمة "لا بوات" المعنيّة بدعم الفن التونسي المعاصر. وقد كانت فكرة تمثيل تاريخ الفن لمسار البلد تاريخياً، ولأوضاعه الاجتماعية والسياسية، الخيط الناظم لهذه الطاولة.

في مداخلته، تناول المؤرّخ المختصّ بالفن وعلم الآثار التونسيّين، رضا مومني، التغيّرات التي طرأت على المشهد الفني في البلد بعد الثورة، حيث وجد الفنانون أنفسهم، ولأوّل مرّة منذ عقود، أحراراً من رقابة كانت جاثيةً على كلّ إمكانات العمل الإبداعي، وعلى المجتمع التونسي بشكل عام. 

مومني أشار إلى تلقّف العديد من الفنانين للمسألة السياسية وأسئلتها وسردياتها بعد سقوط نظام بن علي، ونوّه بالتحوّلات التي عرفتها حقول مثل السينما والمسرح والموسيقى والرقص منذ اندلاع الثورة، حيث بات الفنانون يشاركون بشكل مكثّف في النقاشات العامة وفي المسائل التي تشغل المجتمع، واصفاً الدور الذي لعبوه وما زالوا يلعبونه باعتبارهما "شهوداً يؤرشفون للمجتمع التونسي".

الثورة التونسية شكّلت لحظة ولادة لمبحث فني جديد

لكنّ المؤرّخ ذكّر بالصعوبات التي تواجه الباحثين الساعين إلى تناول حدثاً مثل الثورة ما تزال تداعياته تتوالد، ومرحلة زمنية ما زلنا نعيش في خضمّها، وهو ما يجعل من استخلاص مقولاتٍ عامة حول هذه الفترة ونتائجها أمراً مرتبطاً بالمؤقّت واللانهائي. وقد ذهب أبعد من ذلك، للقول إن هذه الصعوبات تفرض نفسها حتى على الفنانين والمشتغلين في تنظيم العروض الفنية، بل وحتى الهواة، باعتبار أن التبعات الثقافية والاجتماعية والسياسية للحدث المقصود ــ الثورة التونسية ــ ما تزال طور الولادة والاكتشاف.

وقد أعطى مومني بعضاً من اللمحات من علاقة الفن التونسي بالواقع السياسي، حيث استعاد اشتغالات جلال بن عبد الله (1921 ــ 2017) لتصوير فظائع الاستعمار الفرنسي وجنوده وشرطته، وكذلك مشاركة فنانين في إعطاء صورة فنية وسياسية، أو حتى دعائية لنظام بورقيبة، بعد الاستقلال، مروراً باشتغالات صفية فرحات وخالد بن سليمان قبل الثورة، ووصولاً إلى أعمال فنانين برزوا على المشهد الواسع بعد الثورة باشتغالاتهم التي تُحاكيها، كما هو الحال مع إل سيد، وبلال البوريني، المعروف بـ"زو بروجكت".

ودارت مداخلة الفنان نضال شامخ حول اشتغاله الفني المتأثّر بالثورة التونسية، التي شكّلت لحظة ولادة لمبحث فني يسعى إلى التقاط عناصر الحاضر الذي يعيشه البلاد انطلاقاً من مفرداتٍ معاصرة ومن أرشيف العقود التي عاشتها تونس تحت الاستعمار الفرنسي. وعرض شامخ عدداً من اشتغالاته في سلسلة "بمَ يحلم الشهداء" (2012)، والتي تُشرّح، حرفياً، في اسكتشاتٍ متقشّفة، وجوه وأجساد متظاهرين وشهداء، كما تصوّر وتُعرّف بعض أدوات القمع الخاصة بالشرطة وقوى الأمن.

وتحدّث شامخ عن أهمية الأرشيف بالنسبة إليه، لا كمصدرٍ لفهم التاريخ، بل كمادّة تُضيء الحاضر وتكتنز الكثير مما تقوله عنه، وأعطى مثالاً عن ذلك بحثه في أرشيف فترة الاستعمار وعثوره على صور لجنود تونسيين دفعتهم فرنسا إلى المشاركة في الحرب العالمية الثانية، بل وفي المقاومة ضد الاحتلال النازي، وجرى التعتيم على صورهم وأسمائهم وملامحهم، بحيث لم يُعرَّفوا في الأرشيف إلا بأحرف تختصر وجوده إلى: A وB. أمرٌ ربطه الفنّان بمفهوم "التبييض" الذي يعرف استخدامات معاصرة واسعة لوصف العنف الفعلي، وكذلك الرمزي والمعنوي، الذي يواجهه مَن ليسوا بيضاً من قبل مؤسسات غربية.

كما قدّم الفنان عرضاً لعمله "بوابة محاطة بالحواجز الشائكة" (2017)، الذي استلهم فيه التمترس الذي عرفه مبنى السفارة الفرنسية في تونس بُعيد الثورة، حيث يقدّم فيه بوابة كبيرة محاطة بالأشرطة الحديدية الشائكة، بما يُحيل إلى انغلاق الغرب على نفسه، وإلى تحوّل الحدود الوطنية وكذلك البحر الأبيض المتوسّط إلى أماكن للموت، كما أن في العمل إشارةً، كما يقول الفنان، إلى الممارسات الكولونيالية الجديدة.

وفي حين توقّفت سلمى فرياني عند مسعى رواقها ("غاليري سلمى فرياني")، منذ فتح عام 2013، لربط الاشتغالات التونسية المعاصرة بتاريخ البلد الاجتماعي وحتى بمِهَنه الحرفية، وعرّجت فاطمة كيلاني، من جهتها، على مسار منظّمة "لا بوات" منذ إنشائها عام 2007 في تونس، وبعض المعارض التي قدّمتها، مع إعطاء صورة عن دورها في تقديم الدعم للفنانين الشباب وإيصال أعمالهم إلى الجمهور. 

الأرشيف
التحديثات الحية

المساهمون