نجوى بركات.. رواية لبنان في "غيبة مي"

14 ابريل 2025
الرواية ليست عن خديعة الرجل، بقدر ما هي عن خديعة الحب
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- رواية "غيبة مي" لنجوى بركات تعكس حالة لبنان المتأزمة، حيث تتشابك الأحداث بين الماضي والحاضر لتروي قصة مي، المرأة التي فقدت ذاتها بسبب علاقة سامة مع شخص نرجسي، مما أدى إلى أمومة جريحة بعد زواج رتبه القدر.

- تتناول الرواية شقاء الحب وإدمانه، حيث تعيش مي بين انفعالات متباينة، وتعكس السردية العنف الخفي في المجتمع اللبناني ومعاناة السوريين، مما يبرز الأسى العميق الذي يطغى على الوجدان.

- مي، الشخصية الرئيسية، ممثلة مسرحية تعيش حياة مليئة بالشقاء، والرواية تقدم نصًا قاسيًا يعكس فقدان الحب والمعنى، وتنتهي بمحاولة لترميم الذاكرة أو دفنها.

رواية "غيبة مي" للروائية اللبنانية نجوى بركات من الروايات التي تمثّل حياة الأفراد فيها حال بلدانهم. وهو هنا بلد عاجز، ينتظر موته، بما في العجز من رهافة وحسّ يتبدى نزقاً وحيرة وضعفاً. الرواية الصادرة حديثاً عن "دار الآداب" رواية لبنان الذي شهد الإفلاس والانفجار. وقبل ذلك، شهد الحرب الأهلية بداية. وشهدها في الجوار، في سورية، نهاية.

تتوزع الحكاية إلى زمنين؛ زمن مضى بعد أن رسم الشخصية التي نرى مآلها. وليست هذه المفاجأة الوحيدة التي تخبئها الكاتبة اللبنانية لقارئها، إنما كما في روايتها "مستر نون"؛ تبني فخاً داخل آخر، ولغزاً بعد آخر. لتتكشف هذه الأسرار عن جمال سيدة لا تُنسى، عن جمال أُهين -بوصفه جمالاً- من شر نبت في الحب، ومن علاقة جمعت مي مع شخص نرجسي. والحصاد الذي تذروه من ذاكرتها في الصفحات، أو تحاول استعادة تفاصيله من النسيان، هو نتاج العلاقة السامة التي أودت بها. لا العلاقة بذاتها، إنما الحب عينه، وقد استمر يدفع المرأة لأن تغامر بذاتها في الآخر إلى أن فقدتها. لتستعيد بعضها في غيبة، في خرف، وعند انهدام الوعي بالنفس وما يحيط بها. إذاً، الرواية ليست عن خديعة الرجل، بقدر ما هي عن خديعة الحب، وعن خديعة الطبيعة التي دفعت بمي لأن تدفع أثماناً شتى بسبب شغفها بأن تكون أمّاً من رجل أحبته. وبعد أن أصبحت أمّاً لتوأم من زواج رتبته لها الأقدار؛ استمرت أمومتها جريحة.

أعمق من الخيانة، ومن الأمومة، ومن النجاح المهني؛ رواية نجوى مثال عن شقاء الحب وإدمانه، إلى أن يدرك المحبون أن الحب ليس سوى صليب. "غيبة مي" تمثيل لطبيعته الدرامية، حتى إن انفعالات مي صارت حبيسة، يراها القارئ تعاني مزاجين متباعدين، وكأنهما قطبا بطارية.

لا يفوت الكاتبة أن تجعل حال السوريين في صلب الحال اللبناني

سرد بركات متآلف بصورة يبدو معها أن القطع التي تتفكك من الذاكرة، إنما هي نسج يشف عن آخر. حتى لكأن ذلك الأسى الآسر لا يكسر الوجدان فقط، بل يأخذه إلى أفق غارب بلا نهاية، حيث انكسار الإنسان أخيراً في السنين. وما سبق ليس إلا الجانب الخاص بمي وعالمها المضطرب. عالم لا ينفصل عن لبنان كله. وبركات من كتّاب الحرب الأهلية اللبنانية التي يظهر عنفها عنفاً تقاسمته دواخل الناس. حتى لكأن مقتلة الكلاب الشاردة في بلديات لبنان ليست إلا العنف الخبيء المضطرم الذي يتبدى في تفاصيل الحياة اليومية. تفاصيل شملت السوريين هناك. وفي نص يحدث برمته تقريباً داخل وعي الشخصية وذاكرتها، وهي تواجه قدرها في الرابعة والثمانين، لا يفوت الكاتبة أن تجعل حال السوريين في صلب الحال اللبناني، إذ تتكئ المرأة التي انتهت وحيدة، على ناطور البناء، الشاب السوري، النازح من حلب. اتكاء يقول بانتماء الغرباء إلى طبقة صنعها الشعور بالتخلي وفقد الحب ونسيان المعنى.

نعرف عن الشخصية كل ما يرسم لنا صورتها الحادة الأليمة، وهي ممثلة مسرحية، حتى في المسرح كانت تأخذ أكثر أدوار الغرام شقاءً. نعرفها وهي ترى نفسها في القطة التي ماتت من غير أن تسميها. وبدت كأنها تعاقب نفسها من غير أن تقدر على التحديد لأي الأشياء تعاقبها. بهذا، صنعت نجوى بركات نصاً قاسياً مع ما فيه من عذوبة وافتتان، شخصياتها بكلمات الراوية "لا تملك مستقبلاً، مصيرها محتوم، ولا سبيل للخلاص أمامها". النص يبدأ من لحظة ذروة، من نقطة محتدمة تتفرع عنها سردية لبنان، وسردية الحب. وتنتهي سعياً رهيفاً لترميم الذاكرة، أو دفنها.

* روائي من سورية
 

موقف
التحديثات الحية