استمع إلى الملخص
- نبيل لحلو يدمج بين الفضاء الواقعي وأفق الحلم، مما يمنح العرض مرونة تعبيرية وعمقاً فكرياً، ويواصل تحدي التواطؤ والصمت في أعماله المسرحية والسينمائية.
- لحلو، المولود في فاس عام 1945، درس الفن الدرامي في فرنسا وبدأ مسيرته في السبعينيات، وكتب وأخرج مسرحيات وأفلام باللغتين الفرنسية والعربية، ملتزماً بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
يمكن اعتبار العمل المسرحي "ماشا مشمشة تريد دوراً في فيلم محاكمة سقراط" للمخرج والممثل المسرحي نبيل لحلو، الذي عُرض على خشبة مسرح "محمد الخامس" يوم السبت الفائت، تنويعاً على عمله الدرامي "محاكمة سقراط"، الذي كُتب باللغة الفرنسية وقُدّم لأول مرة عام 1996، ووصف بأنه ثورة جمالية من حيث النص والشكل.
يقوم العرض المسرحي الجديد على ترابط بين ثلاث شخصيات، كل واحدة منها تجسّد توتراً وجودياً مختلفاً. فْريد، المخرج السينمائي الذي جسد دوره نبيل لحلو، يمثّل البعد الواعي المنفتح الذي يرى في الفن امتداداً للموقف الأخلاقي وأسلوباً لمقاومة الظلم.
ارتباطه بسقراط ليس عاطفياً فقط، بل فكرياً أيضاً، حيث يتجسد ذلك من خلال إيمانه المطلق بالكلمة الحرة في مواجهة سلطة قمعية لا تقبل المراجعة والنقد. فْريد (ينطق هكذا بتسكين الفاء) يجسّد ثقافة هجينة، فهو هولندي المولد والنشأة، مغربي الأصل. تعبّر شخصيته عن ذلك المثقف العابر للجغرافيا والهويات، المثقف الملتزم بقيم كونية ترتكز على الحق والحقيقة وعلى الانتماء للقيم الإنسانية النبيلة.
في المقابل، تظهر زوجته ماشا، الممثلة الشهيرة التي فقدت ذاكرتها، كصوت الحاجة إلى الاعتراف الشخصي المحدود. مأساة ماشا لا تكمن في فقدان الذاكرة فحسب، بل في انحسار الشغف على إثبات الوجود الفردي بعيداً عن القيم التي يؤمن بها الزوج.
على خلفية هذا الاختلاف في المواقف والتصوّرات، يبقى سقراط حاضراً على طول العرض المسرحي كرمز للموقف الحكيم والنبل في مواجهة الظلم، حيث يدافع فْريد بحرارة عن مواقف الفيلسوف الأثيني، بينما تتعامل ماشا مع القصة كوسيلة لاستعادة مجدها الشخصي، لا كقضية وجودية. في مشاهد أخرى، نراها تسخر من سقراط ومن "مثاليّته" المُفرطة التي أدّت إلى الحكم عليه بتجرّع السُّم أمام تلاميذه.
لم يخلُ العرض من جرأة سياسية مباشرة ونقد للتابوهات
هنا تظهر سارة ملاك، وهي ليست مجرد حضور إضافي في المسرحية، بل تمثّل اختراقاً للحاجز الواقعي الذي يفصل بين الحقيقة والحلم. تدخلاتها، بحسّها الطفولي ونبرتها الحلمية وعرضها الحب على فْريد، تمثّل فكرة التجديد والإلهام. إنها طاقة مضادّة تقذف خارج مسار الأحداث كشهاب ساطع في أفق حالم يضيء ثم يخبو.
بهذا التوزيع الدرامي المتنوع والشخصيات المتمايزة بعضها عن بعضها، استطاع المخرج أن يخلق شبكة معقدة من العلاقات الداخلية، جعلت المسرحية تتحرك على أكثر من مستوى: الواقعي، والحلمي، والفردي، والكوني، والسياسي. وهو ما منح العرض كثافة فكرية وجمالية خاصة.
هذا المزج بين الفضاء الواقعي وأفق الحلم، مع استخدام وسائط سينمائية داخل العرض المسرحي، أعطى العمل مرونة تعبيرية، إضافة إلى رغبة في تجديد صيغ التعبير، دون التخلي عن العمق الفكري والنقدي.
وعلى غرار أعماله المسرحية كلها تقريباً، لم يخلُ العرض من الجرأة السياسية المباشرة ونقد التابوهات، إضافة إلى نبرة تحمل نَفسَاً احتجاجياً مشحوناً بالغضب والرفض. ربما يعود ذلك إلى التزام نبيل لحلو منذ بدايته بفكرة جعل خشبة المسرح وشاشة السينما منبراً للاحتجاج يتمرد عبره على أشكال التواطؤ والصمت كلها. وربّما هذا ما عرّضه للتهميش والإقصاء؛ فبالرغم من مساهماته الريادية في ترسيخ ملامح المسرح الطليعي منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أنه ظلّ بعيداً عن دوائر الاعتراف المؤسسي.
يُذكر أن نبيل لحلو مخرج مسرحي ومؤلّف وممثل مغربي من مواليد فاس عام 1945، درس الفن الدرامي بـ"مدرسة شارل دولان"، و"جامعة مسرح الشعوب" بفرنسا. بدأ مسيرته المهنية في أوائل السبعينيات، من خلال تدريس المسرح في الجزائر، حيث تعاون مع "المسرح الوطني الجزائري". بعد عودته إلى المغرب، واصل لحلو كتابة وإخراج مسرحياته باللغتين الفرنسية والعربية، ولم يقتصر نشاطه على المسرح، بل عمل في السينما وأخرج العديد من الأفلام السينمائية.