ناصر ضميرية.. استعادة سيرة صوفية حجازية

24 فبراير 2025
حديث تفصيلي عن شخصية من أكابر رجال العلم
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يسلط الكتاب الضوء على النشاط العلمي والفكري في الحجاز خلال القرن الحادي عشر الهجري، مبرزاً دور المنطقة كمركز علمي مرموق، مع التركيز على شخصية إبراهيم الكوراني كأحد أبرز علماء تلك الفترة.
- يهدف الكتاب إلى تصحيح الفكرة الخاطئة التي تجاهلت الحجاز كمركز علمي، ويعرض تاريخاً مغيباً لحركة علمية وفكرية مؤثرة، حيث كانت تُدرَّس فيه علوم متنوعة مثل الفلسفة والتصوف والمنطق.
- يناقش الكتاب سرديتي "الانحطاط" و"الجاهلية"، ويبرز تأثير التحولات الكبرى مثل تشيُّع إيران والحكم العثماني في جعل الحجاز قبلة للعلوم، مع التركيز على فكر إبراهيم الكوراني وآرائه الجدلية.

ضمن "سلسلة ترجمان"، صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، كتاب "الحياة الفكرية في الحجاز قبل الوهابية – عقائد التصوّف في فكر إبراهيم الكوراني (ت. 1101ه/ 1690م) ‏‎لمؤلّفه ناصر ضميرية، وترجمة رائد السمهوري، وهو مكوَّن من مقدّمة وستة فصول وخاتمة وثلاثة ملاحق، ويضيء النشاط العِلمي والفكري المتّقد لمنطقة الحجاز في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، والغبن اللاحق بهذه المنطقة نتيجةَ عدم اعتبارها في مصنفات المسلمين - بخلاف واقع الحال - من المراكز العِلمية المرموقة في العالم الإسلامي، متناولاً في جزء كبير من مادّة الكتاب بالحديث التفصيلي شخصيةً من أكابر رجال العلم في ذلك القرن، وهو إبراهيم الكوراني.

عَثَر المترجمُ والباحث في "المركز العربي"، رائد السمهوري، على الكتاب بالصُّدفة، كما يوضّح في مقدّمته، حينما كان يجمع مادّة لتحقيق كتاب آخر هو "الاحتراس عن نار النبراس" فاقتناه، ثم عرض على إدارة المركز نقله إلى العربية، بمساعدةٍ ومساهمة من أساتذة وزملاء للمؤلف، ومعاهد علمية أيضًا، كـ"معهد ماكغيل للدراسات الإسلامية"، والباحث روبرت ويزنوفسكي، ثم عرض ترجمته على صاحب الكتاب ناصر ضميرية.

ويوضّح الكتاب أنه منذ انتقال عاصمة الخلافة إلى الشام ثم العراق، نشأت مراكز عِلم وفكر في البصرة والكوفة ودمشق وبغداد وأصفهان وشيراز وغيرها. وركّز المصنّفون على ذكرها في الحواضر السياسية المهمّة للدول الإسلامية، وأغفلوا التطرّق إلى نظيراتها في الحجاز حتى حسب الناس أنّ مهبط الوحي لم يعُد يُرتحل إليه في طلب العلم. لهذا، يزيح كتاب "الحياة الفكرية في الحجاز قبل الوهابية" هذه الفكر الخاطئ ويحاول زرع مكانها تاريخاً مغيَّباً لحركة علمية وفكريّة فيّاضة في حجاز القرن الـ11هـ/ 17م (الذي عاشت فيه الشخصية الرئيسة للكتاب إبراهيم بن حسن الكوراني الكردي الشهرزوري). وهي حركة أثّرت في مواضع كثيرة من العالم الإسلامي قبل انتشار الدعوة الوهّابية، التي وَصَمَت ذلك الزمان بـ "الجاهلية الجهلاء والشرك القميء"، فضلًا عن المستشرقين الذين وصفوه بـ "عصر الانحطاط". 

ينقض ناصر ضميرية سرديتَي "الانحطاط" و"الجاهلية"، ويغوص في بحر الحياة الفكرية في الحجاز، وكيف ساهمت تحوّلات كبرى في ذلك القرن (تشيُّع إيران، واقتراب السفن البرتغالية من مكة ودخولها تحت حكم العثمانيين، والمعونة المالية الكبيرة من المغول للحجاز ... وغيرها) بجعل الحجاز قبلةَ العلوم وعُقدتَها وسبب انتشارها إلى شتّى أقاليم العالم الإسلامي وعواصم الفكر فيه، بشتى مذاهبه ومدارسه ومسائله الفلسفية والكلامية والعقلية والحكمية، ضمن وعاء من التصوف، مفاجئاً القارئَ بحقيقة أن السينوية والإشراقية كانتا تُدرَّسان في مكة والمدينة إلى جانب الحديث والفقه في تلك الحقبة، علاوة على كتب علم الكلام والمنطق والهيئة والفلك والطب والموسيقى، وكل ذلك بالأسانيد المتصلة، وبذكر أسماء عشرات أعلام تلك الحقبة وشيوخها وتلاميذها وكتبها ورسائلها وآثارها.

يستهلك الحديثُ عن عالمٍ كبير من علماء الحجاز حينذاكٍ فصولاً أربعة من فصول الكتاب الستة، في ما يشبه الترجمة الوافية، لاعتباره نموذجاً على الحياة الفكرية في تلك البقاع أولاً، ولإثبات إشكالية الكتاب ثانياً، المتمثّلة بالغُبن اللاحق بمنطقة عاش فيها إمامٌ جال بغداد ودمشق والقاهرة ونزل الحرمَين ومات في مكة، صاحب مؤلفات ثرّة معظمها مخطوط، صوفيّ نقشبنديّ،  صاحب آراء فلسفية وكلامية وصوفية في مسائل كان الجدل بين علماء الحجاز حولها محتدماً.

ويخلص المؤلّف ضميرية إلى رأي مفاده أن السلك الناظم لفكر الكوراني استُوحي من صوفية الفيلسوف محيي الدين بن العربي، الذي اشتطَّ في مسائل في "الفصوص" و"الفتوحات" فقلّده الكوراني فيها مستجلباً نقدَ العلماء المسلمين، كادّعاء الإيمان لفرعون، وأنّ النار تفنى، وأن كلام الله صفة إلهية وكلام صادر عنه في الوقت ذاته، وأخيراً تأكيد الكوراني في أول رسالة كتبها صحّة قصة الغرانيق التي أُقحِمَت في الوحي الإلهي... وغيرها من الشطحات الصوفية.
 

المساهمون