استمع إلى الملخص
- تنوعت الأعمال الفنية بمشاركة فنانين من دول مختلفة، مثل مشروع "بيع السحب" للهولندية نوا جاسما، الذي يربط بين الظواهر الطبيعية والنماذج الرأسمالية، وعمل "كاندي فليب" للكندية راه إيليه الذي يعبر عن التمرد.
- شمل المهرجان مشاريع مبتكرة مثل "Mock Wild" للزراعة المستدامة، و"الحرارة الكونية" لمحمد الفرج، وألعاب بيئية لمواجهة تغير المناخ، مما يعكس التزام المهرجان بالتحديات البيئية والاجتماعية.
جاء عنوان "تجاوز الطبيعة" (Out-Natured) مظلّة عريضة لاحتضان الإبداعات والتجارب والقفزات الابتكارية المتنوعة لأكثر من 50 فناناً من 21 بلداً شاركوا في الدورة الرابعة من مهرجان "كايروترونيكا الثقافي الدولي" في القاهرة، الذي بدأ في الحادي والعشرين من الشهر الجاري ويتواصل حتى بعد غدٍ الاثنين.
عكست فعاليات المهرجان وأعماله المعروضة في ساحات "روابط" و"الهنجر" و"الجراج" و"الفاكتوري" و"مدرار" وسط العاصمة المصرية، أحدث الصيغ الإبداعية والفنية التفاعلية، الممسوسة دائماً بالصيحات التكنولوجية والعلمية، ما يؤكّد جسامة تحوّلات العالم الراهن، وسرعة انطلاقه من حيز الحقيقة إلى فضاءات الخيال.
أبرزت التظاهرة كيف أنَّ المهرجان الذي نشأ عام 2016 فكرةً لتعزيز الوسائط الجديدة قد بلغ مدىً واسعاً من النضج والتطوّر في ثيمات انزياحية كثيرة، يندمج فيها الفن والتكنولوجيا، منها: تجارب الواقع الافتراضي، والمنحوتات التفاعلية، والألعاب الإلكترونية، والفيديوهات والتركيبات البصرية والصوتية، وغيرها من التجليات التي تخاطب الحواس المتعددة.
صيغ إبداعية وفنية تفاعلية تؤكّد جسامة تحوّلات العالَم
لم تدرْ أعمال "كايروترونيكا 2025" في فراغ، وإنما وَظّفت جميعُها إمكاناتها التي تتجاوز الطبيعة وتفارق قوانينها لصالح الانتصار للإنسان والإنسانية على الحياة الآلية والمصنوعة والجامدة، وإعادة صياغة مفاهيم وقيم وفرضيات منسية كالتوازن البيئي والاستدامة والكفاية والانسجام الاجتماعي وغيرها على نحو أكثر عدالة وشفافية ومرونة ومصداقية.
هذا الوعي المتأصّل السائد هو المفتاح، بل كلمة السر، للإطلال على طبيعة أعمال المهرجان، التي تطمح إلى تخيّل مستقبل جديد للبشرية، بل خلقه إذا استلزم الأمر، والعمل على تأسيس عوالم بديلة تقاوم الانهيار الكائن.
ويتحقق هذا الحلم من خلال التعاون الحميم بين الفنون والعلوم والتقنيات في منظومة واحدة، بما يعني إيجاد حلول أكثر شمولية وعمقاً ومنطقية وجنوناً في وقت واحد، للمخاطر والأزمات والتحديات المحيطة بالإنسان.
تعددت رؤى المهرجان وأطروحاته بتعدد أصابع الفنانين المشاركين من مصر وفلسطين والسعودية والكويت وتونس وإيران واليابان وكندا والولايات المتحدة وإسبانيا وهولندا والتشيك وألمانيا وبريطانيا ونيوزيلندا وغيرها.
أوجدت الفنانة الهولندية نوا جاسما تصميمها الخاص بشأن العلاقة المتبادلة مع العالم الذي يتجاوز حدود البشر، وذلك في إطار المشروعات التي تتبناها مؤسسة "باي كلاود" بشأن تحويل الظواهر الطبيعية إلى موارد قابلة للاستغلال.
جاءت فكرتها "بيع السحب" لتصوّر من خلال الفيديوهات التفاعلية كيف يوجَد مالكون افتراضيون للسحب نموذجاً للسيولة والمجانية يُشكك في صحة النماذج الرأسمالية الراسخة. وفي هذا التركيب الفني، يستلقي شخص على ظهره فوق العشب ناظراً إلى السحب المتساقطة أعلاه مع رموز الاستجابة السريعة والأسعار المرفقة في سوق افتراضية للمضاربة تتخذ هيئة موقع إلكتروني اقتصادي.
ويجرى توجيه كلّ خطوة من خطوات الاستحواذ على السحب باستخدام تقنيات الوسائط الجديدة، مع توقيع عقود افتراضية لإثبات الملكية. ومع تزايد انبعاثات الكربون، تزداد قيمة السحب في جميع الأسواق العالمية الكبرى القائمة على الندرة والطلب.
وفي عملها "4004"، تستكشف الفنانة الإسبانية جوانا مول طبيعة العلاقة بين الرأسمالية التكنولوجية وتدهور المناخ والنظم البيئية الأساسية. ويشير عنوان عملها البصري إلى أول معالج دقيق تجاري جرى تطويره عام 1971 لشركة إنتل، ما شكّل بداية عهد تكنولوجي جديد. وتبرز الفنانة التراجع المقلق في أعداد الحشرات التي تُعد عنصراً أساسيّاً في البنية التحتية البيئية، بالتوازي مع النمو المطرد لهذه المعالجات الدقيقة.
وفي حين تقترح الإسبانية مار أوسيس في عملها الفني "XXXGel®" سرداً افتراضيّاً لقدرات الجسد في ما تسميه "عصر الفارما-بورنوغرافيا"، وهو عصر يتسم بالإدارة التقنية للجسد وللجنس، فإن الفنانة الكندية من أصول إيرانية راه إيليه تشخّص في عملها "كاندي فليب" إيقاعات جسدانية تومئ إلى التمرد والتحرر من خلال الرقص والانسيابية.
ويستخلص الياباني كاتسوكي نوغامي ذاكرة الجسد في منحوتاته التفاعلية وأعماله التصويرية، ويراهن التشكيل البصري "نهري يرافقني" لكل من الكندي جولي ناجام والنيوزيلندي جونسون ويتيرا على بقاء الطبيعة نابضة حتى النهاية، ما بقي الضمير الإنساني حيّاً.
اشتمل المهرجان على فعاليات أخرى متميزة، منها: النسخة المصرية من مشروع "Mock Wild" لتطوير أنماط زراعية ومذاقات غذائية وأطعمة مُستدامة بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتركيب البصري "الحرارة الكونية" للسعودي محمد الفرج، وسلسلة أعمال "من عكا إلى غزة" للتشكيلية الفلسطينية منال محاميد، وألعاب "بيكربونايز" البيئية للمؤسسة التشيكية "تشارلز جيمز" الهادفة إلى مواجهة تغير المناخ، وغيرها.