"مهرجان المدينة": الثقافة العربية في الساحل الفلسطيني المحتل

"مهرجان المدينة": الثقافة العربية في الساحل الفلسطيني المحتل

15 ديسمبر 2020
قطعة من سور عكّا في البحر
+ الخط -

تأخذ أسئلة الهوية والذاكرة والمدينة أبعاداً مختلفة حين يتعلَّق الأمرُ بفلسطين، ولا سيما الجزء الذي احتُل منها عام 1948، والذي يضمّ المدن الساحلية الرئيسية حيفا ويافا وعكا، وكانت حواضر تاريخية عامرة تنتمي إلى الثقافة الفلسطينية والعربية وتاريخها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

كان الحفاظ الرمزي على هذه المواقع، ولا يزال، بحاجة إلى دأب ومقاومة كبيرتين للتهويد والأسرلة، ولا شك أنَّ أيّ محاولة للإبقاء والحفاظ على الذاكرة والتراث العربيّين في هذه المدن هو إفشال بشكل أو بآخر لعمل الاحتلال على محو الهوية الفلسطينية فيها، وهذه إحدى المهمّات التي أخذت "جمعية الثقافة العربية" في حيفا على كاهلها القيام بها، منذ تأسيسها قبل أكثر من عشرين عاماً.

نظّمت الجمعيةُ عبر سنين عملها الماضية برامج وجولات ميدانية للأجيال الجديدة في الأحياء والأماكن العربية في هذه المدن، إلى جانب إقامة معرض للكتاب في حيفا يؤكد الهوية العربية فيها. وفي السياق نفسه، تُقيم الجمعية "مهرجان المدينة للثقافة والفنون" في دورته الثانية بين السابع عشر والثالث والعشرين من الشهر الجاري، تحت عنوان "المدن الساحليّة: عكّا حيفا يافا"، في دلالة على وحدة الحال وضرورات التشبيك والتنسيق بين المؤسّسات الثقافية الفلسطينية في هذه المدن الثلاث.

الصورة
من المعرض
ملصق "مهرجان المدينة"

تُقام معظم الفعاليات افتراضياً، حيث أطلقت الجمعية موقعاً خاصاً بالتظاهرة، ويترافق ذلك مع جولات في هذه المدن. فبحسب مدير المهرجان، ربيع عيد، "تواجه هذه المدن، منذ النكبة، مخطّطاتٍ مُمَنهجةً تهدِفُ إلى طمس معالمها الفلسطينيّة وتزوير هويتها وتاريخها وثقافتها وتستهدف سُكّانها الفلسطينيّين الأصلانيّين، إلى جانب سياسات التهويد والإفقار التي يعاني منها سكّان الأحياء الفلسطينيّة المهمّشة".

يُضيف عيد، في بيان صدر عن الجمعية، أنَّ "الحفاظَ على النسيج الاجتماعي والموروث الثقافيِّ جزءٌ لا يتجزّأ من النضال والصمود الفلسطيني في مدن الساحل؛ إذ يهدِفُ مهرجان المدينة للثقافة والفنونِ إلى تحدّي القبضةِ القمعيّة الإسرائيليّة على الثقافة الفلسطينيّة وربط قضايا الناس بنشاطات ثقافيّة، ويشكّل احتفالاً وإحياءً للثقافة والفنّ الفلسطينيّين".

تنقسم الفعاليات بين جانب فنّي وأدبي، وآخر يأخذ طابعاً توثيقياً يتناول الأبنية والشوارع والتراث، وآخر يتمحور حول السياسات الثقافية، كما تُطلق الجمعية، خلال المهرجان، تقريراً حول مشروع "الحفاظ على المباني التراثيّة في البلدات العربيّة". أمّا الافتتاح، فيستعيد تجربة الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنّا (1966 - 2018)، من خلال عرض "وجوه من المدينة"، تليه جولة في حيفا يقوم بها الباحث عروة سويطات، ويُختَتم اليوم الأول بالفيلم الوثائقيّ "يافا أُمّ الغريب" للمخرج رائد دزدار.

وتُقام في اليوم الثاني من المهرجان ندوةٌ حوارية تناقش السياسات الثقافيّة للفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 بمشاركة أكاديميّين وكتّاب، بهدف وضع رؤية تقود العمل الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ48 وتحدّد أولوياته وسياساته في مختلف القضايا التي يتعامل معها الحقل الثقافي في ظل الظروف السياسيّة والاجتماعيّة التي يعيشها فلسطينيو الداخل.

تنقسم الفعاليات بين البرنامج الثقافي والجولات الميدانية

ويشهد المهرجان أيضاً إطلاق المجموعة الشعرية "استيقَظنا مَرّةً في الجَنّة" للشاعر نجوان درويش الذي يحاوره الشاعر والكاتب مصطفى قصقصي، كما يُعرض تسجيل "قراءة في المدينة" مع الكاتب إياد برغوثي في مدينة عكّا من روايته "بردقانة"، وتُنظم ندوة حول معرض "ترانيم البقاء" للفنان توفيق عبد العال بمشاركة كلّ مِن طارق عبد العال، وناصر السومي، ورنا عناني، وقراءة أدبيّة مع الكاتب رشيد إغباريّة تحت عنوان "الغريب في شارع صهيون". ويضم برنامج الفعاليات قراءة أدبيّة لقصّة "فرع البريد المحلّي وسط يافا" للكاتبة والقاصّة شيخة حليوى، إلى جانب عرض موسيقي شعري مشترك للفنّانَين عامر حليحل وحبيب شحادة حنّا تحت عنوان "لاعب النرد".

أمّا الأفلام التي تُعرض خلال أيام التظاهرة؛ فهي: "بيت البحر" للمخرج اللبناني روي ديب، و"حبيبي بيستنّاني عند البحر" لـ ميس دروزة، و"فراولة" لعايدة قعدان، وفيديو للاجئين فلسطينيين تحت عنوان "عائدون للمدينة".

وفي برنامج المحاضرات، يُناقِش الأكاديمي محمود يزبك موضوع "مدن السّاحل من التّعمير إلى التّدمير"، وتُقام ندوة لمجموعة "الدّائرة" المهتمّة بالسؤال والتأمّل في المنسي والمهيمن من أشكال الحياة اليومية تحت عنوان "الهويّة والمدينة والبحر"، بمشاركة عبد الله البياري، وشذى الحاج، وإيمان حرم، وعمر زكريا، ورزان خلف، وفراس حمدان، ومازن فوّاز. كما تُقام محاضرة "مغيّبات- النّساء والمدن الفلسطينية قبل عام 1948 وبعده" للأكاديمية منار حسن، بينما يُقدّم الباحث علي حبيب الله محاضرة بعنوان "فلسطيني على ساحل المتوسّط: مظاهر من تاريخ التوتّر والتصالح مع البحر".

يُختتم المهرجان بعرض فيديو راقص يجمع "مدرسة استوديو رابعة مرقس للرقص" و"مدرسة الأمل للرقص المعاصر". وعلى مدار أيام التظاهرة، تُقام عدّة جولات افتراضية في المدن الثلاث، من بينها جولة مصوّرة في مدينة عكّا مع زمزم فاعور وأندرو عبادو، وجولة في مدينة يافا مع النّاشط عبد أبو شحادة، وجولات للأطفال مع الفنّان لطف نويصر. أمّا الورش فتشمل ورش "التصوير أداة للحراك الاجتماعي والسياسي" مع المصوّر محمد بدارنة، و"رحلة أكل على الساحل" مع ميرنا بامية.

الصورة
الراحلة روضة بشارة-عطا الله 1953-2013
الراحلة روضة بشارة-عطا الله 1953-2013

على موقع التظاهرة تُبثُّ نشاطات رقميّة أخرى تضم المسابقات، والبودكاست، ومواد معلوماتية، وحلقات نقاشية في وسائل إعلام محليّة، وقصصاً مصوّرة وقصصاً عن شوارع المدن الثلاث، ستُنشر جميعها خلال أسبوع المهرجان. كما تُنظّم بالتعاون بين طلاب "منحة روضة بشارة عطا الله" ومجموعة "عكا 5000" و"حركة شباب حيفا" و"حركة الشبيبة اليافية" ثلاثة أيّام تطوعيّة في عكّا وحيفا ويافا، تهدف إلى صيانة مواقع تراثية ومبانٍ.


بعد دورة تجريبية

 قبل عام، أطلقت "جمعية الثقافة العربية" في حيفا دورة تجريبية من المهرجان الذي أتى كمساحة مستقلّة لعرض الإنتاج الأدبي والفكري والفنّي الفلسطيني. وقالت الجمعية، التي أسّسها، بهدف تعزيز الثقافة والهوية العربية الفلسطينية، مثقّفون وأكاديميّون فلسطينيّون عام 1998 وأدارتها حتى رحيلها المناضلة روضة بشارة-عطا الله ( 1953 - 2013 / الصورة)، إنّها تسعى إلى جعل التظاهرة حدثاً ثقافياً سنوياً، وهو ما تُحقّقه الدورة الثانية التي تُقام على مدار سبعة أيام، بينما أُقيمت السابقة في ثلاثة أيام.

المساهمون