مهرجان الدوحة المسرحي يبدأ من "كون سيّئ السمعة"

23 مايو 2025
من العرض المسرحي "كون سيّئ السمعة" (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مهرجان الدوحة المسرحي السابع والثلاثون يُقام في مسرح "يوفينيو" بمدينة الريان، ويجمع بين المسرحيين والنقاد والجمهور من قطر والدول العربية، حيث يُعرض فيه عشرة عروض مسرحية تتنافس على الجوائز.
- مسرحية "كون سيّئ السمعة" للمخرج حمد الرميحي افتتحت المهرجان بتقديم عالم تراجيدي فانتازي، وتركز على موضوعات السلطة المستبدة والفوضى، معتمدة على السينوغرافيا الرقمية والمؤثرات الصوتية.
- أُثيرت انتقادات حول غياب الدراماتورغ في المسرحية، مما أدى إلى احتفاظ المخرج بجميع المشاهد دون تعديل، وأكد النقاد على أهمية وجود عين أخرى لتحسين النص.

في زمنٍ تتسابق فيه العوالم الافتراضية بشكلٍ محموم لاجتياح وعينا، حيث تسود الهاشتاغات واللايكات والترندات، يظل المسرح فنّاً عصيّاً على الزوال. ذلك ما عبّر عنه مدير مركز شؤون المسرح القطري ومدير مهرجان الدوحة المسرحي عبد الرحيم الصديقي، في كلمته التي دشّن بها الدورة السابعة والثلاثين، التي بدأت أول أمس الأربعاء وتتواصل حتى الحادي والثلاثين من الجاري.

وقال الصديقي: "أتساءل أحياناً عن السرّ الذي يجعل الناس، في جميع أنحاء العالم، يواصلون الذهاب إلى المسرح رغم كل التحولات التي طرأت على الذائقة العامة... المسرح لا يزال قادراً على لمس ما لا تراه الشاشات".

بهذا التساؤل، انطلقت فعاليات المهرجان بحضور واسع من المسرحيين والنقاد والجمهور، من القطريين وضيوفهم من مختلف الدول العربية، وقد جمعهم مسرح "يوفينيو"، الذي يستقبل المهرجان للعام الثاني على التوالي في مقره بمدينة الريان، جنوب غربي الدوحة.

حتى الساعات الأخيرة من مساء الأربعاء، كانت مسرحية "كون سيّئ السمعة"، من تأليف وإخراج حمد الرميحي، تمثّل مجال تجاذب لا يخلو أحياناً من الحدة. وربما ساهم فضاء المسرحية في جعل التوتر الفني سيّد المساء الافتتاحي، منذ قرر الرميحي أن الكون سيّئ السمعة، وجعله في كل لحظة يؤكّد على ذلك طوال ساعةٍ وعشرين دقيقة من الدمار والعدم والظلم والثورة والانكسار.

عشرة عروض مسرحية تتنافس على جوائز هذه الدورة

تدور أحداث المسرحية في عالم تراجيدي فانتازي، داخل مملكة يعيش أهلها في دعة ومحبة، إلى أن يجلب الملك إحدى العرّافات التي ستكشف له عمّا سيحدث في المستقبل. وتنهال الإسقاطات التاريخية والأحداث غير الواقعية، لتصل إلى مرحلة العدم، وتحوِّل الموت إلى شهوة من السلطة العليا تجاه الرعية، ومن الرعية حين تعمّ الفوضى وتتمثّل السلطة المستبدة فتكون أحياناً أشد قسوة منها.

مهرجان الدوحة -القسم الثقافي
(حسين بيضون/ العربي الجديد)

وانتقل ظل هذا الكون المسرحي إلى الندوة التطبيقية للتعقيب على المسرحية، حيث تحدّثت فيها الناقدة والأستاذة الجامعية الكويتية سعداء الدعاس، التي رأت العمل ملغّماً بالرسائل، سواء المباشرة أو غير المباشرة، وكذلك الممثل الأردني، المذيع في قناة "العربي2" رشيد ملحس، الذي رأى في العمل شكلاً من مسرح مفاهيمي، ينتمي إلى المفاهيم أكثر من خلق شخصيات واضحة المعالم.

المسرحية من إنتاج شركة الموال للإنتاج الفني، ومن تمثيل: حنان صادق، وسالم الجحوشي، ومحمد أنور، وفاطمة الشروقي، وفاطمة يوسف، وعبد الله حسن، وفردوس، وفلة، ومالك بنرحومة، وفيصل الدوسري، ورايان رجب، وإبراهيم النجار. اثنا عشر ممثلاً وممثلة تآزروا لينادوا برسالة المخرج حمد الرميحي، التي مفادها: "عندما يُغتال العقل وتحكم الكونَ مجموعة من عبدة المال وتجار الحروب عديمي الرحمة والإنسانية، وعندما تكون الأنانية عمامة تاج الكون، يصبح الكون سيّئ السمعة".

ساعة وعشرون دقيقة من الدمار والظلم والثورة والانكسار

تقرّر أن يكون العمل صادماً، بل عنيفاً في لغته ومحموله الرمزي، ومؤلماً في صوره المسرحية، مستنداً إلى مشاهد مركبة، وحوارات تتقاطع فيها الفلسفة مع نقد الواقع السياسي والاجتماعي، ويعالج سؤالاً مؤلماً: ماذا لو أُقصي العقل، وحكمت العالم قوى لا ترحم؟

أكثر من ثلاثين مشهداً قد تبدو مزدحمة، ويمكن التخلي عن بعضها، بحسب ما ورد في الندوة التطبيقية وآراء المتدخلين من الجمهور. غير أن ثمّة إجماعاً على أن السينوغرافيا الرقمية أوجدت معادِلاً إبداعيّاً ذكيّاً، بل مثرياً للمسرحية، كما نالت المؤثرات الصوتية والتأليف الموسيقي إشادات، خصوصاً من رشيد ملحس، الذي رأى أنها رفعت النص إلى مديات بعيدة، لكنها لم تُصب الممثلين ومؤدّي الرقصات التعبيرية بالعدوى، حتى يتمثّلوا روحها كما ينبغي.

في مسيرة الرميحي المسرحية كلها هناك دائماً عرّافة أو عرّاف، حتى لو لم يكونا موجودَين بهويتهما المألوفة، فإن الناقد البحريني يوسف الحمدان يرى حضور هذه السمة واضحاً في مدوّنته المسرحية منذ عقود.

بالنسبة له، فإن العرّافين، مباشرة أو مداورة، يشيرون إلى نهج الرميحي المسرحي القائم على الأسئلة الصعبة، المقلقة، المربكة، ما يجعل هذا العمل، وهو هنا يرد على آخرين في الندوة، عملاً لا يضطلع به سوى الرميحي، إذ من النادر أن تجد مخرجاً آخر يتحمل هذا العبء، ويخوض هذه المغامرة الفنية الشائكة، على حدّ تعبيره.

أين الدراماتورغ؟

وفي صُلب هذه الفكرة التي تتحدث عن مؤلف هو ذاته المخرج، كانت سعداء الدعاس، وهي توجه التحية للرميحي وللمهرجان بالجملة، تؤكّد تبنّي هذه الرسالة المسرحية التي تعرّي مملكة فاسدة من رأس الهرم حتى قاعها.

مهرجان الدوحة - القسم الثقافي
(حسين بيضون/ العربي الجديد)

لكنها لاحظت، ودافعت بوضوح، عن وجوب حضور عين أخرى كانت غائبة عن هذا المنجز، وجعلت المخرج يُجامل الكاتب (الرميحي في الحالين)، ويتركه دون أن يمسّ أيّاً من المشاهد المكتوبة، الطويل منها فيختصر، والزائد فيحذف.
عند الدعاس، كان المخرج متمسكاً بكل المشاهد، لأنها مكتوبة عن قناعة وحب، ولكن الضرورة، كما تواصل، تقضي بأن يحضر الدراماتورغ: اليد العليا التي تعيد صياغة العمل من جديد.

كما رأت الدعاس، وهي أستاذة النقد وفن الكتابة في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، أن الأحداث شابها غياب المنطق، وهو ما يجعلها، للمرة الثانية، تؤكد غياب الدراماتورغ، وهو في هذه الحالة الأقدر على تلقي النص دون ضغط، والشعور فوراً بالخلل، سواء في منطقية الأحداث أو أيّ ثغرات تعتريها، أو الحاجة إلى الحذف والإضافة.

في هذه النقطة الأخيرة، ضربت مثالاً بالراقصات اللائي رأت أنهن فائضات بلا أيّ دور، حيث ترى أن أي قطعة على خشبة المسرح، سواء كانت متحرّكة أو ثابتة، إن استطعنا أن نستغني عنها ولم يهتز العرض، فإنها حتماً لا مكان لها، على حد وصفها.

مسرح المؤلف

بشكلٍ أو بآخر، هناك ما يمكن تسميته "مسرح المؤلف"، وإن لم يكن رائجاً كما في المصطلح الشهير "سينما المؤلف". هذه الإشارة لقيت تأييداً من رشيد ملحس، الذي أكّد ضرورة الوعي حين نُزاوج بين كتابة النص والإخراج. لكنه لم يوافق تماماً على فكرة أنَّ الرميحي المخرج "لم يجلد" الرميحي المؤلف، بل قال إنه قرأ النص وتابعه ممسرحاً، وشهد، بالتالي، حذف الكثير من المشاهد، بما يعني انتصار المخرج أخيراً. لكن ذلك لم يمنعه من ملاحظة أنَّ العرض كان يمكن اختزاله أكثر.

أبعد من تصنيف العمل كلاسيكيّاً أو فنتازيّاً، رأى ملحس أن اللوحات المسرحية التي عُرضت تتصادى مع لوحات فرانسيسكو غويا الكابوسية، المسماة "كابريتشوس"، بما فيها من ذعر، إذ تتناول الخرافة والفساد والانحطاط الاجتماعي والاستبداد.

عروض وتكريمات

يُذكر أن عشرة عروض مسرحية، بينها ثلاثة لفرق أهلية: الدوحة، وقطر، والوطن، وسبعة لشركات الإنتاج الخاصة، تتنافس على جوائز هذه الدورة. ويكرّم المهرجان في دورته الحالية مجموعة من الفنانين رشّحتهم الفرق المسرحية، وهم: الفنان يوسف أحمد من فرقة الوطن، والفنان سعد البورشيد من فرقة قطر المسرحية، والفنان أحمد المفتاح من فرقة الدوحة المسرحية.

المساهمون