استمع إلى الملخص
- الكوابيس التي نعيشها اليوم تتجاوز السقوط من حالق، فهي قنابل وقذائف تقتل الأبرياء وتذيبهم تحت حرارة هائلة، دون أن يفقد العدو تركيزه على القتل.
- في ظل هذه الفوضى، يصبح التعبير عن الألم صعبًا، حيث يتسارع التيه ويستمر العدو في تدمير المدن وقتل الناس بلا رحمة.
يتحلّى النائم بصفة نادرة وكأنّه الفنّان: فهو يعشق الجنس البشري، ويعشق الطبيعة، ولا ينام على ضيم، باستثناء الوقوع في الكوابيس. فهذه هكذا لأنّه لا يجدي معها التعامل بحنان، كما هو الحال مع منام طيّب وعذب. إنّ هذا لأمر منطقي إلى حدٍّ كبير؛ فالنائمون حتى لو كانوا عجائز، يعودون يا ربّي كما خلقتني: أطفالاً، ولا يمكن لأحد أن يظلّ غير متأثّر أمامهم، في حال هووا من حالق، سوى الكابوس.
النائم طفل، وطفل مضاعَف إذا واجه صعوبة أكبر أو أقلّ، ما يعني أنّ كابوسه له صفات الأميركان، حتى لو لم يحضروا هُم بجرمهم في الكابوس إيّاه.
لكن نحن الآن وين وهذا الكلام وين؟
والله يا ليت. فكابوسنا له 400 يوم ومثلها من الليالي، والحبل يكرّ. والحكاية ليست السقوط من حالق، إنّما قنابل وقذائف تترى برّاً وجوّاً وبحراً. طعامها خلْقُ الله الطيبّيون، من ملح هذه الأرض، يرتقون فيتركون جثثاً مشوّهة وراءهم، وفي أحيان يذوبون تحت 7000 درجة حرارة، فلا يبقى منهم أيُّ أثر: ذرّات لا تُرى بالعين المجرّدة، تذوب فوراً ولا وقت لديها كي "تلوب" في الغبار.
لا يفقد عدوُّنا لحظةً واحدة من تركيزه على القتل والمزيد منه
قال أفران الغاز في أوشفيتز قال!
لقد زرته ولم أرَ فيه شبيهاً لما يحدث.
قدّيش كانت حرارة أفران الألمان؟ قدّيش كانت بدائية وبسيطة مقارنة بنار الأميركان من قنابل أم كي84 وباقي السلالة؟
أيّها الغول الواقي اللطيف في هذا "الفيلم"، يتحوّل أمامنا إلى هدف انتقام أبدي، بما استطعنا: ألم تشبع من الولوغ في دم الأطفال والنساء والصحافيّين والشعراء والمقاتلين شباباً وكهولاً؟
متى يُرفع الرهان من قِبل عربان الأنظمة عنك، وأنت لهم مثلما أنت لعدوّنا: الغول الواقي اللطيف؟
من أين لنا الجَلَد كي نكتب 400 كلمة؟ كازنا خلص وعقلنا خلص.
صار الواحد بدّو ألف زقّة ليتمخّض عن مقال.
ولا، ليس هو التباطؤ للأسفل، بل التسارع في جاذبية التيه. وكلُّ هذا يحدث دون أن يفقد عدوّنا لحظة واحدة من تركيزه على القتل والمزيد منه، في البلدين التوأمين.
إنّ إجراء المونولوغات في مثل هذه الحرائق، ليكون أسهل من محاولة التمخّض عن مقال. أمّا الأشدّ سهولة فأن تُكلّم الحيطان الصقيعية الأربعة في غرفة أنتويرب، أو أن تغرق في بحر الهذيان، دون تلبية طلب الطبيبة العامّة بالذهاب لطبيب نفسي، قالبةً الهذيان إلى ذهان، مع أنّها عديمة الاختصاص.
"نفسي" مين يا ميفراو؟ هل أنت من هذا العالم؟
نفسي مين وحظّنا المايل كما الخطّ المائل، ضروري لوضع الرجال الملوّنين في حال غير مؤات؟
قد يبدو الأمر غير معقول، ولكنّ هناك جزءاً من العالم تنتمين إليه وراثةً لا وعياً، يعتقد (ويؤمن بما يعتقد، بكامل الغريزة) ألّا وجود لموضوع محظور عليه، في "لحظة الحقيقة"، من تحويل المدن إلى أنقاض، إلى قتل الناس وإذابة لحومهم وعظامهم، دون ترك أثر.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا