منصور الهبر.. كولاج يعيد ترتيب العالم
أطلق "غاليري المرخية" في الدوحة بداية الشهر الماضي معرض "الورق المتمرّد" للتشكيلي اللبناني منصور الهبر (1970) بالتعاون مع "موقع آرتسي" النيويوركي حيث تُعرض الأعمال عليه، والتي تضيء أبرز ملامح تجربته في الكولاج كوسيط أساسي للتعبير عن أفكاره وأسلوبه.
الهبر الذي حاز درجة الماجستير في الفنون، ويزاوج بين الرسم والتدريس، يذهب نحو ارتجال لوني مدروس تؤطره بنية منتظمة في تشكيل اللوحة عبر استخدام القصّ واللصق وبناء العلاقات بين الكتل والفراغ، في تجريدٍ يجد صلاته الحميمة مع الواقع من دون أن يحاكيه.
تشير عناوين الأعمال المعروضة التي يعود تنفيذ معظمها إلى العامين الماضيين بوسائط متعدّدة على ورق، إلى موضوعاتها وأجوائها حيث نجد "الحقل والليل"، و"المشهد الخفي"، و"سما بيروت"، و"بيت الساعة"، و"حتى يتوقف الكذب"، و"السماء الصغيرة"، و"قبل أن يأتي الحب إلى المدينة"، و"الخوف أو الرغبة"، و"ضوء أصفر، صباح رمادي"، و"الصباح الباكر".
يعتمد الهبر على التكثيف في ألوان تتشكل طبقات فوق بعضها بعضاً، وهي مشرقة وزاهية غالباً، وتتوزّع على السطح مشاهد التقطها الفنان لحيوانات وطيور ومناظر طبيعية من شجر وأعشاب وصخور، أعاد ترتيبها في نظام جديد، وكأنه يحتج بذلك على النظرة المسبقة إليها في واقعها المتوهّم بالنسبة إليه، في سعي لنقض يقيننا وتسليمنا بما اعتدنا مشاهدته.
تحيل هذه الفوضى اللونية والشكلية المتلقي إلى إعادة التفكير والمقارنة بين ما يراه من أشكال وفراغات في اللوحة وفي الواقع، إذ تندمج هذه الصور المقتطعة وفق إيقاع وتناغم لا يتشكلان عبثاً، إنما يحضر التناقض في ما بينها على نحو متوازن، وضمن قوانين ونظم يحدّدها الفنان.
لغة بصرية كرّسها الهبر على مدار أكثر من عقدين، بحيث يجعل تكوينه الجديد غرائبياً ومألوفاً في الوقت نفسه، فالتضاد بين الأشكال التي يقدّمها يظهرها متماسكة في تمزّقها وتحللها على الورق، في عملية لا متناهية بحيث يصعب تخيّل الخطوات التي أوصلت العمل إلى مرحلته النهائية.
يعكس "الورق المتمرّد" فكرة رئيسية تتمثّل في هشاشة الإنشاء وضعفه في عالم يسوده القبح والبشاعة، بحيث يستسلم إلى عبثه وقسوته، ليرصد الهبر تلك المناخات وينقلها وفق رؤيته التي يعبّر عنها في مقابلة صحافية سابقة بالقول "أنا عين تراقب العالم من حولها وتجتر تفاصيله على سطح أبيض".
من جهته، أشار أنس قطيط المنسّق العام لـ"غاليري المرخية" إلى أن "أعمال الفنان منصور الهبر تستحق التأمل لما بها من رسائل تخاطب عقل المشاهد عبر تقنية قادرة على نيل إعجابه معتمدة على جمالياتها المتمازجة مع عمق الفكرة".
