مكتبة فلسطين: إبراهيم صقر أبو عمشة.. عن القضية ومصادر الأمل

مكتبة فلسطين: إبراهيم صقر أبو عمشة.. عن القضية ومصادر الأمل

08 يونيو 2021
من تظاهرة احتجاجية في صفاقس على إعلان ترامب تحويل سفارة بلاده إلى القدس، 2019 (Getty)
+ الخط -

تقدّم هذه الزاوية كتباً حول فلسطين. كتبٌ ساهمت في شحن الضمير العربي - والعالمي أحياناً - بمفردات القضية وإضاءة الطريق نحو التحرير. هنا عودة إلى كتاب إبراهيم صقر أبو عمشة "فاعلية الفلسطينيين وتطوّرهم"، الصادر في 1982 عن "دار النهضة العربية" في بيروت.


من حين إلى آخر، ينتشر خطاب إحباطيّ حول القضية الفلسطينية، يأتي عادةً كتبرير مسبق لخيارات أنظمة عربية تندفع نحو "سلام" غير مشروط على خلفية عدم تكافؤ القوى مع دولة الاحتلال. وها إنَّ الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلَّة قد أثبتت خواء هذا التوجّه، وإن تلفّع بادعاء العقلانية والحنكة السياسية، في حين أنَّ الوقائع قد أثبتت أنَّ للمقاومة مصادر حياة كثيرة.

أفرز الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في 1982، وما انجرّ عنه من ترحيل لقيادات "منظّمة التحرير الفلسطينية"، جوّاً ملائماً لمثل ذلك الخطاب الانهزامي، وهو ما دعا البعض إلى التفكير في صدّ هذا النوع من الاجتياح. في ذلك السياق، وضع إبراهيم صقر أبو عمشة كتاب "فاعلية الفلسطينيين وتطوّرهم" وقد صدر في 1982 عن "دار النهضة العربية" في بيروت. وللكتاب طبعة تونسية صدرت بعد سنوات قليلة عن "دار بوسلامة للطباعة والنشر والتوزيع"، تبدو وكأنها تتابع مسار قيادات "منظّمة التحرير" حين غادروا لبنان إلى تونس. 

يرى أبو عمشة أن الاستسلام لمنطق القوة الذي تفرضه "إسرائيل" والنظام الجيوسياسي العالمي بلا معنى متى عرَف العرب مصادر الأمل في تحرير فلسطين، ويمثّل الامتدادُ التاريخي للثقافة العربية الإسلامية، التي تنتمي إليها فلسطين، الركيزة الأساسية لهذا الأفق النضالي لما يزخر به التاريخ العربي من أمثالٍ حول صدّ اعتداء الغزاة والقدرة على احتوائهم.

يرى أن حقائق التاريخ والواقع كانت ولا تزال في صفّ الفلسطيني

ينطلق المؤلِّف من سرد تاريخيّ يعود إلى جذور القضية، انطلاقاً من نشوء الحركة الصهيونية خارج فلسطين وبعيداً عن التفاعلات الطبيعية للمنطقة. لهذا التذكير بُعدٌ جداليّ فهو يردّ على رأي متداوَل دون تمحيص في الثقافة العربية، مفاده أنَّ ما آلت إليه فلسطين هو نتيجة تفريط في الحقوق، وهي مقولة كان يروّج لها مثقّفو بعض الأنظمة الانبطاحية لتبرير تخاذلهم تجاه الدفاع عن حقوق الفلسطينيّين. على مستوى آخر، يؤكّد المؤلّف أن لشعب فلسطين تاريخ مقاومة متراكماً، فيضيء النضالات ضد الانتداب البريطاني ثم العصابات الصهيونية الأولى، قبل أن تتحوّل تلك المعارك إلى مؤامرة دولية ستجرف الكثير من الفلسطينيين خارج أرضهم.

يقف أبو عمشة أيضاً عند محاولة فهم الواقع الفلسطيني على الأرض، في المخيّمات وفي المدن المحتلّة والشتات، ويرى أن مؤشّرات الأمل أعلى من مؤشّرات اليأس، حيث نجح الفلسطينيّون جيلاً بعد جيل في توريث الحسّ المقاوم، كما نجحوا في بناء ثقافة تميّزهم، وتُسندهم أمام السياسات الاحتوائية لدولة الاحتلال. 

لكن مصدر المقاومة الأهم بالنسبة لأبو عمشة هو أنَّ "حقائق التاريخ والواقع" كانت ولا تزال في صفّ الفلسطيني في صراعه مع الاحتلال، ولكن هذه الحقائق تظلُّ بحاجة إلى تفعيل من قبل المؤرّخين والروائيّين والشعراء والصحافيّين والفنّانين وغيرهم.

الصورة
فاعلية الفلسطينيين وتطورهم - القسم الثقافي

عرفت طبعة "دار بوسلامة" - وعلى الرغم من عدم إشعاعها خارج تونس - رواجاً يمكن تفسيره باعتماد ثمن زهيد، وهي وسيلة ترويج فاعلة للفكر النضالي. وسيلة يبدو أن الناشرين تخلّوا عنها منذ عقود (نفس الدَّوْر كانت تلعبه دُور نشر صغيرة أُخرى في تونس مثل "دار الجديد" و"أقواس"... ضمن توجّهات أيديولوجية متنوّعة). كما أنَّ الكتاب أتى ليُشبع حاجة لدى شريحة واسعة من التونسيّين بمعرفة عميقة بالقضية الفلسطينية لإحسان الدفاع عنها، وهذه الشريحة قد تقلّصت هي الأخرى للأسف، فكم من الكتب اليوم تنهض بدور تشغيل التعاطف الشعبي مع فلسطين وصياغة "تنميةٍ روحية وجدانية" - والعبارة للمؤلّف - تمثّل ينبوعاً لا ينضب في انتصار الشعوب العربية للقضية الفلسطينية، حتى لو وُضعت طول الوقت في جوّ مليء بالتزييف والأكاذيب.

المساهمون