مفكّرة المترجم: مع خالد البلتاجي

مفكّرة المترجم: مع خالد البلتاجي

07 سبتمبر 2021
خالد البلتاجي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "نقد الترجمات مهم للغاية، وللأسف هذا النوع من النقد شبه غائب في النقد الأدبي عندنا"، يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 
بدأت الترجمة الأدبية تحديدًا في عام 2001 برواية ميلان كونديرا "الخلود"، وذلك بعد حصولي على الدكتوراه في علوم اللغة التشيكية والترجمة من "جامعة تشالز" في براغ بالجمهورية التشيكية. بصفتي أكاديميا، أقوم بتدريس الترجمة واللغويات في الجامعة ومن هنا استهوتني فكرة الانشغال بترجمة الأعمال الأدبية تحديدًا، فتوالت الترجمات التي ركزت بالأساس على ترجمة أعمال أدبية مختارة من الأدبين التشيكي والسلوفاكي. وتركّز مشروعي في الترجمات التالية على الأدب النسائي، فضلًا عن ترجمة أعمال أدبية أخرى تستحق أن تقدّم للقارئ العربي.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر الأعمال الأدبية التي ترجمتها قد صدرت هذا العام، وهي رواية بعنوان "مُنى" للأديبة التشيكية بيانكا بيلوفا، ورواية "حكاية غرام" لأديبة تشيكية أخرى اسمها أليكسندرا بيركوفا، إضافة إلى رواية "أشكال الرواية العاطفية" للأديب التشيكي يان نيامتس وهي رواية حصدت "جائزة الاتحاد الأوروبي" عن أفضل رواية لعام 2019. أترجم الآن رواية "الثعلب المرأة" وهي لواحد من أهم الأدباء التشيك؛ يرشي كراتوخفيل، الذي يحسب على جيل ميلان كونديرا. 


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
أبرز العقبات في نظري هي التسويق السيئ للمترجم، حيث تتراخى كثير من دور النشر الخاصة والعامة في تطبيق آليات صناعة الكتاب في إنتاج النص المترجم، منها التحرير والإخراج والتوزيع الجيد، مما يضر بالنص المترجم والمترجم نفسه. أيضاً يغيب العمل المؤسسي في الترجمة، كوجود نقابات واتحادات رسمية للمترجمين، ما يجعل كثيرا من المترجمين ينصرف إلى عمل آخر يوفر له الحد الأدنى من الضمانات الاجتماعية والمهنية. 


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
الواقع هو أن للمحرّر دورا لا يقل أهمية عن دور المترجم في صناعة الكتاب، بل هو مكمّل له، لكن دور المحرّر في الوقت الحالي عادة ما يقتصر على المراجعة اللغوية، وأحياناً، بل ونادرًا ما يرصد السياق لينبه إلى أي انحراف في الصياغة قد يفسده. هذا التحقيق يتم على استحياء دون الدخول مباشرة في صياغة النص والتنبيه إلى أي اعوجاج فيه أو خروج عن ذائقة اللغة العربية. ما يحدث معي غالباً هو المراجعة اللغوية من قبل الناشر دون التطرق إلى السياق أو الصياغة.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
علاقتي مع الناشر متذبذبة في مسألة اختيار العناوين، غالباً ما أقدم أنا المقترح حسب متابعتي للأدب التشيكي أو السلوفاكي، وحسب ما أراه داعمًا لمشروعي الأساسي، وهو الأدب النسائي، وأحيانًا يكون الناشر على قدر أكبر من المتابعة حسب اتصالاته بالوكلاء الأدبيين أو متابعته الخاصة، وهذه الحالة نادرة، ربما بسبب عائق اللغة الذي لا يسمح له بقدر كاف من المتابعة واختيار العناوين. 


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
على اعتبار أن الأدب الغربي منفتح أكثر على القضايا السياسية، مثل غيرها من القضايا، فغالباً ما تجذبني الأعمال التي تناقش أو تطرح هذه القضايا، بغض النظر عن رأيي الشخصي في الطرح، رغم أن غالبية الأعمال الأدبية تطرح القضايا السياسية من منظور قيمي إنساني بعيدًا على الأيديولوجيات السائدة. هذا التحرر وهذه النظرة التي تنحاز إلى القارئ بصفته "مواطناً عالمياً" يعلي من شأن القيم الإنسانية المشتركة ويدعهما، هو سبب كاف للتماهي مع العمل الأدبي. وإن لم يكن الأمر كما ذكرت فأنا أختار الأعمال التي أترجمها بناء على هذه المعايير. 


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
علاقتي بالكاتب قوية إلى درجة محاولة تقمّص شخصيته كأديب وقت الترجمة. فلو كنتُ أترجم لأديب معاصر وعلى قيد الحياة أتواصل معه، سواء بالمراسلات البريدية أو شخصيًّا. هذه خطوة في منتهى الأهمية بالنسبة لي. فمعرفة الكاتب هي مفتاح عالمه، أتعرف من خلالها على أشياء كثيرة، وعلى رأسها طريقة التفكير والتعبير وحتى الإيماءات، والمدينة التي يعيش فيها، ولو سنحت الفرصة أطلب منه دعوتي لزيارة بيته أو مدينته. وهذه الفرصة توفرها المراكز الأدبية في التشيك وفي سلوفاكيا وترعاها.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
لا أعتقد أني كاتب جيد، رغم أن المترجم صاحب أسلوب بالفعل، وربما يبدو نظرياً قادرًا على إنتاج عمل أدبي، لكن أدوات الأديب غير أدوات المترجم، فالمترجم يبدأ من حيث انتهى الأديب. المترجم يحتاج إلى معارف لغوية وثقافية في المقام الأول، حتى وإن درس النقد الأدبي، والمدارس الأدبية، وتاريخ الأدب. ويظل عَالَم الأديب أكثر تعقيدًا. فالإبداع التالي يختلف كثيرًا في أدواته عن الإبداع الأصيل. قد ينجح البعض في الجمع بين الاثنين، لكن الترجمة حرفة وفن، وفن الترجمة ليس كفن الكتابة.
 

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجوائز الأدبية مهمة، وجوائز الترجمة بصفة خاصة لأن العمل المترجم يصبح جزءًا من الأدب العربي، والجوائز تشجع على الإنتاج وعلى إعلاء جودة الترجمة. لذلك أرى أننا نحتاج إلى تقديم مزيد من مبادرات جوائز الترجمة، حتى وإن كانت جائزة رمزية لأسوأ ترجمة. فحتى هذا النوع من الجوائز مفيد. نقد الترجمات مهم للغاية، وللأسف هذا النوع من النقد شبه غائب في النقد الأدبي عندنا. 


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
مشاريع الترجمات المؤسسية التي ظهرت منذ أقل عشرين عامًا صارت مع الوقت مثقلة بالروتين وأعباء أخرى لا تتعلق بتعاظم دورها الأساسي، وأظن أنه من الأفضل لأي مشروع مؤسسي أن يدعم مشارع الترجمة من خلال دور نشر خاصة أو بالتعاون معها، هذه الخطوة ربما تسهم في دعم مشاريع ترجمة لا تستطيع دور النشر الخاصة وحدها تنفيذها، وكذلك يجب على مؤسسات الترجمة النادرة في العالم العربي أن تعمل على تحقيق المزيد من المشاريع وتسويقها حتى تصل إلى القارئ العربي في أرجاء الوطن العربي، ولا تبقى حبيسة المخازن، ثم تباع لاحقًا بطريقة لا تليق بالكتاب المترجم الذي يلقى في بلده الحفاوة والترحيب اللازمين.     


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أولاً اختيار العمل المناسب في إطار مشروع بعينه وليس عشوائيًّا، بعدها تأتي مرحلة الإعداد للترجمة بعد القراءة، ومنها جمع معلومات عن الكتاب، وقراءة مقالات نقدية مختلفة ومراجعات له، ثم تبدأ الترجمة بحذر حتى أعتاد لغة الكاتب وأسلوبه، بعدها تسير الأمور بطريقة سلسلة إلى حد كبير. أفضّل دائمًا الترجمة في مكان مغلق، لا أرى فيه سوى النص ولا أسمع سوى أصوات شخوصه، تركيز تام ينتهي بآخر جملة من النص. ثم تأتي مرحلة المراجعة الأولى وهي أفضل من سابقتها، وبعدها مرحلة المراجعة الثانية. أفضل المراحل وأجملها على الإطلاق. مرحلة الاستمتاع بالنص وتنقيحه بصورة شبه نهائية.     


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على نص ترجمته. لكني ندمت على نصوص ترجمتها ولم تراجع أو تحرّر بالشكل المناسب، سواء مني أو من دار النشر، فخرجت بصورة غير مناسبة. هناك ربما ثلاثة أعمال من هذا النوع، على حد علمي، صدرت لي، وأود تحريرها وإعادة نشرها. 


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنى وجود منح للمترجمين، منح تفرّغ للترجمة كما يحدث مع الأدباء، تدعمها المؤسسات الحكومية أو الأهلية. أتمنى أن تتحرر لغة الترجمة من القوالب اللغوية الجامدة، وأن يكون القارئ أكثر تسامحًا معها كما هو مع الأديب الكاتب بالعربية، فلا ينكر عليها استخدام المستويات اللغوية المختلفة، ولا يجبرها على الغرابة اللغوية بحجة أنها مترجمة. فهي في النهاية تؤثر على اللغة بصفة عامة وحتى على الكتابة الأصيلة بتعبيراتها الغرائبية أحيانًا. أتمنى أن يعتبر الناشرون الكتب المترجمة مصدرًا للثقافة والتثقيف وليست الربح فقط. أتمنى أن تتزايد حركة الترجمة إلى العربية لأنها هزيلة مقارنة بالترجمة إلى لغات أخرى. أتمنى وجود نقابة للمترجمين.


بطاقة 
مترجم وأكاديمي مصري من مواليد عام 1965. أستاذ اللغة التشيكية والترجمة بـ"كلية الألسن - جامعة عين شمس". ترجم ما يقرب من أربعين عملًا أدبيًا وفكريًا من التشيكية والسلوفاكية إلى العربية. منها: "الخلود" لـ ميلان كونديرا، و"سر الأهرام" لـ ميروسلاف فرنر، و"ممنوع اللمس" (مختارات من القصة السلوفاكية)، و"قوة المستضعفين" لـ فتسلاف هافل، و"الإنسان الآلي" لـ كارل تشابك، و"البحيرة" لـ بيانكا ميلوفا.

المساهمون