مفكّرة المترجم: حسن الحديدي

مفكّرة المترجم: حسن الحديدي

02 يونيو 2022
حسن الحديدي
+ الخط -

 تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أتمنّى أن نتجاوز مسألة الترجمة عبر لغة وسيطة. هذا أمر انقرض في العالم منذ أجيال"، يقول المترجم المصري في لقائه مع "العربي الجديد


كيف بدأت حكايتكَ مع الترجمة؟ 
بدأَت حكايتي مع الترجمة أثناء دراستي الجامعية للّغة الألمانية وآدابها عام 2005. بدأتُ أترجم بعض النصوص القصيرة، وفي أواخر نفس العام، شاركتُ في ورشة للترجمة بـ"جامعة لايبزيغ" في ألمانيا.


ما هي آخر الترجمات التي نشرتَها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجمة نشرتُها هي رواية "يعقوب فون غونْتِن" للكاتب السويسري روبرت فالزر، وصدرت عن "دار المحروسة" في القاهرة عام 2020، والآن أُترجم رواية للكاتب النمساوي يوزِف رُوت بعنوان "حكاية الليلة الثانية بعد الألف". كما أنتظر حصول الناشر على حقوق رواية أُخرى من ناشرها الأجنبي  للبدء في ترجمتها. الحقيقة أنهما روايتان مع ناشرَيْن مختلفَيْن، وأنتظر أن تأتي حقوق إحداهما للبدء فيها فور انتهائي من الترجمة الحالية، فمسألة الحقوق تستغرق وقتاً طويلاً للأسف، خصوصاً مع الناشرين العرب.


ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
غياب المبادرات الجادّة من جانب مؤسّسات الترجمة، فأيّة مبادرة جادّة من المؤسّسات الحكومية مثلاً يخنقها الروتين، كما أنّ بعض هذه المؤسّسات يعاني التخبط والاضطراب، خصوصاً في السنوات الأخيرة. ومن العقبات الكبيرة أيضاً مسألة الحصول على حقوق الترجمة من الناشر الأصلي، فمعظم الناشرين الأجانب لديهم انطباع سيّئ عن الناشرين العرب وعن سوق النشر العربي عموماً وحقوق الملكية الفكرية فيه، وهذا يعطّل الأمور كثيراً حتى مع الناشرين الجادّين.

ترجمة الأسلوب هي أهمّ ما يجب أن يتحرّاه المترجم


هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
دَور المحرّر ما يزال، عموماً، غير مُعترف به في سوق النشر العربي، إلّا في استثناءات قليلة من بعض الناشرين، ولذلك أحرّر ترجماتي بنفسي، وبعد ذلك يقتصر الأمر في الغالب على مراجع اللغة العربية، أو "المصحّح" كما يطلقون عليه، الذي يقتصر دوره على تصحيح بعض الأخطاء النحوية أو الإملائية. لكنّ المفارقة أنّ بعض المصحّحين - وهذا حدث مع بعض ترجماتي - قد يضيف للنص "أخطاء" من عنده، وبعضها يدلّ على أنه قام بتعديل الجملة أو العبارة بطريقة آلية من دون أن ينتبه للسياق.


كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
الأعمال التي ترجمتُها حتى الآن كانت من اختياري، أي أنا الذي أقترحها على الناشر. أُترجم الأعمال التي تستهويني. بالطبع هناك اقتراحات تأتيني من بعض الناشرين لترجمة أعمال معيّنة، لكنْ لم يحدث حتى الآن أن قبلت بأحد هذه الاقتراحات. لعلّ عدم تفرُّغي للترجمة - وعملي الدائم في مجال آخر بجانبها - هو ما يجعلني أنعم بهذا الترَف: أن أُترجِم ما أحبّ، وقتما أحبّ.  


هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
لأنّني بالأساس أترجم أعمالاً أدبية، فالقيمة الفنّية للعمل هي الاعتبار الأوّل بالنسبة إليّ، لكنّ المواقف السياسية للكاتب أو الطرح السياسي الذي يقدّمه في عمله يكون له اعتبار أيضاً عند تقييمي للعمل، ومن ثمّ قراري بترجمته أو عدم ترجمته. فلم يحدث مثلاً - وبالطبع لن يحدث لاحقاً - أن أترجم عملاً لكاتب يتبنّى أفكاراً سياسية متطرّفة أو يرّوج لخطاب عنصري أو سلطوي فاشي أو حتى لخطاب شعبوي.


كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
علاقتي مع الكتَّاب الذين ترجمتُ لهم حتى الآن هي علاقة عبر وسيط. هذا الوسيط هو الورق؛ نصوصهم التي أنتجوها. ولأنّي لا أترجم إلّا أعمالاً تستهويني، فإنّني قبل البدء في ترجمة أيّ عمل أكون قد وطّدتُ علاقتي مع كاتبه بقراءة أعمال مختلفة له، وقراءة بعض ما كُتب عنه.

أتمنّى أن تقوم حركة نقدية للترجمة في عالمنا العربي


كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
صحيحٌ أنّ كثيراً من المترجمين كتَّابٌ، وفي الغرب مثلاً نجد أغلب الكتَّاب "الكبار" يعملون في الترجمة والتحرير، وكلّها تنويعات على فعل الكتابة. لكنْ، في مقابل الحرية التي يتمتّع بها الكاتب، سواء في اختيار الأفكار أو الأسلوب أو الشكل أو المستوى اللغوي وغير ذلك، نجد المترجم مقيَّداً في كلّ هذا. وفي الترجمة الأدبية تحديداً، تكون "ترجمة الأسلوب" هي أهمّ ما يجب أن يتحرّاه المترجم.

خطرت لي صورة يمكن أن توضّح طبيعة الاختلاف بين عمل الكاتب وعمل المترجم: أتصوّر أنّ الكاتب أشبه بشخص يجلس على ضفّة نهر ليصطاد بطريقته الخاصة سمكة، أيّ سمكة، ثم يأتي المترجم ليلقي بهذه السمكة في النهر من جديد ويكون عليه أن يعيد اصطياد نفس السمكة بنفس الطريقة التي صادها بها المؤلّف من قبل. فالكاتب حرّ في اصطياد الفكرة أو الخاطرة، يهذّبها وينقّحها، وينمّيها ويحذف منها أو يضيف إليها كيف يشاء، ويختار لها الشكل أو القالب الذي يصبّها فيه والأسلوب الذي يُخرجها به، أمّا المترجم فيلتزم بكلّ ما استقرّ عليه الكاتب، محاولاً اصطياد نفس الفكرة ومحاكاة الأسلوب.


كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجوائز مهمّة على كلّ حال، لكنّ جوائز الترجمة العربية قليلة جدّاً، تكاد تكون نادرة. وبعض هذه الجوائز يفتقر إلى التنظيم الجيّد. وإذا نظرنا إلى مصر مثلاً، سنجد أنّ "جائزة رفاعة الطهطاوي"، التي يمنحها "المركز القومي للترجمة"، يتنافس فيها المترجمون من كلّ اللغات، وهذا شيء لا أفهمه، لأنّ اللجنة التي ستقيّم الأعمال المترجمة لن تكون موحّدة، فاللجنة الموكل إليها تقييم الأعمال المترجمة عن الإنكليزية مثلاً تختلف عن اللجنة التي تقيّم الأعمال المترجمة عن الألمانية أو الصينية أو الإسبانية أو أيّة لغة أُخرى، والأفضل أن يجري تخصيص مسابقة لكلّ لغة حتى تكون منافسة عادلة.

وعلى ذكر "جائزة رفاعة الطهطاوي"، يحضرني الآن ما جرى في دورتها الأخيرة؛ وهو ما لا يمكن وصفه إلّا بالمهزلة، حيث لم يكتفوا بحجب "جائزة رفاعة" التي تُمنح لكبار المترجمين، بل خرجت رئيسة "المركز القومي للترجمة" يوم إعلان الجوائز لتعلن أنّ الأعمال المتقدّمة جميعها لا ترقى إلى مستوى الجائزة، ولا تصلح حتى لأن تكون في القائمة القصيرة للجائزة، ولذلك لم يعلنوا قائمة قصيرة. الأدهى من ذلك أنهم عرضوا أغلفة بعض هذه الأعمال المتقدّمة للجائزة على شاشة العرض في قاعة الاحتفال، كما ظهرت في مقاطع الفيديو التي نشرتها بعض المواقع الصحافية، وكأنه أُريد التشهير ببعض المترجمين الذين تقدّموا للجائزة، وهذا في تقديري مخالف لكلّ الأعراف، وربما لا يخلو من المكايدة الشخصية التي لا تليق بمؤسّسة كبيرة مثل "المركز القومي للترجمة".   


الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
صحيح أن الترجمة إلى العربية مشاريع أفراد رغم وجود مؤسّسات قائمة بالفعل، لكنّ أغلب هذه المؤسّسات (الحكومية غالباً) تعاني الترهّل وتفتقر إلى الحماس، وبعضُها يخضع إلى تغيير دائم في الخطّة والتوجّهات تبعاً للأهواء الشخصية لرأس المؤسّسة، كما أنّ بعض هذه المؤسّسات يمارس رقابة على المواد المترجمة ويتدخّل فيها أحياناً بالحذف أو التعديل.

أمّا المؤسّسات الخاصّة فهي مؤسّسات تهدف إلى الربح في المقام الأوّل، وتهتمّ أكثر بترجمة الأعمال الرائجة. وهناك محاولات من بعض دُور النشر الجادّة لترجمة أعمال مهمّة جنباً إلى جنب مع بعض الأعمال الرائجة لإحداث التوازن الذي يمكّنها من الاستمرار في سوق النشر. 


ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أن أترجم أعمالاً تستهويني وأتحمّس لها، وألّا أتعجل ترجمة أيّ نص، فلا يعنيني الكمّ الذي أُترجمه بقدر ما يعنيني هذا التفاوُض الدائم مع النصّ حتّى أحسّ أنّني أخذتُ منه أقصى ما يمكن أن أصل إليه. أمّا عن عاداتي في الترجمة، فليست لي عادات ثابتة، غير أنّي أترجم غالباً في وقت متأخّر من الليل، وهذا راجع لنمط حياتي؛ حيث أغلب نومي في النهار، كما أنّني لا أُترجم إلّا في البيت؛ حيث أنعم بقدر أكبر من الخصوصية وحيث تكون كل أدواتي متاحة، ولذلك لا أستطيع أن أترجم في مقهى مثلاً أو في أيّ مكان عام. 


كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على كتاب أو نصّ ترجمته، أوّلاً لأنّي أترجم ما أحبّ، وثانياً لأنّ الترجمة بالنسبة إليّ هي قراءة، وكما أنّ قراءة أيّ نص تُمثّل إضافةً للقارئ، فترجمة أيّ عمل هي إضافة للمترجم.


ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنّى أن نتجاوز مسألة الترجمة عبر لغة وسيطة. هذا أمر انقرض في العالم منذ أجيال، ومسؤولية استمرارها على هذا النحو يتقاسمها الناشرون وزملاؤنا المترجمون الذين يترجمون عن الإنكليزية أو الفرنسية نصوصاً من لغات أُخرى (ألمانية أو روسية أو صينية أو يابانية أو غيرها)، رغم وجود وفرة من المترجمين في هذه اللغات. الأَولى بهؤلاء الذين يترجمون عبر لغة وسيطة أن يوجّهوا طاقاتهم إلى ترجمة الكلاسيكيات الإنكليزية والفرنسية التي لا يزال أغلبها غير متاح بالعربية حتى الآن، كما أنّ بعضَها متاح بترجمات غير كاملة. أمّا الناشرون، فهُم يساهمون في هذه الفوضى بفتح باب النشر أمام المترجمين عن لغة وسيطة، وفي كثير من الأحيان يحول هذا دون ظهور ترجمة جديدة للعمل عن لغته الأصلية، لأنّ الناشرين أنفسهم يتذرّعون بوجود ترجمة سابقة (وربما ترجمات) منشورة لهذا العمل، ومن ثَمّ لا يرحّبون بنشر ترجمة جديدة لنفس العمل، حتى وإن كانت أول ترجمة له عن لغته الأصلية.

أتمنّى أيضاً أن تقوم حركة نقدية للترجمة في عالمنا العربي، وأن تولي بعض المؤسّسات الترجمية اهتماماً بحقل دراسات الترجمة، كأن تصدر مجلّات أو دوريات خاصّة بهذا المبحث لمتابعة ما يُكتب فيه اليوم وآخر ما وصل إليه في العالم.

بطاقة
مترجم مصري عن الألمانية، درس اللغة الألمانية وآدابها في "كلّية اللغات والترجمة" بـ"جامعة الأزهر" في القاهرة. ومنذ سنوات يُدَرّس اللغة الألمانية في نفس الكلية. ترجم عن الألمانية خمس مسرحيات، نُشرت في أعداد مختلفة من دورية "مسرحنا"؛ وهي: "موت آدم" (2013) لـ فريدريش غوتليب كلوبشتوك، و"صحوة" (2013) لـ أوغست شترام، و"القائل نعم والقائل لا" و"الإجراء المتَّبَع" (2014) لـ برتولت بريشت، و"الجندي الأميركي" (2014) لـ راينر فيرنر فاسبندر. كما صدرت له ترجمات لعدد من الروايات والقصص؛ مثل: "خبز السنوات الأولى" (2016) لـ هاينريش بُل، و"في مستعمرة العقاب وقصص أخرى" (2019) لـ فرانز كافكا، و"أسطورة السكّير المقدّس ومصير ناظر المحطّة" (2020)؛ روايتان قصيرتان لـ يوزِف رُوت، و"يعقوب فون غونتن" 2020 لـ روبرت فالزر.

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون