استمع إلى الملخص
- بدأ المترجم السوري مسيرته منذ 25 عامًا، حيث درس الأدب الفارسي وترجم العديد من الكتب والمقالات، محققًا نجاحًا وجوائز مثل جائزة الشيخ حمد للترجمة.
- يدعو المترجم إلى دعم مؤسسي أكبر للترجمة العربية، وتأسيس مراكز متخصصة، وتعزيز التعاون العربي-الإيراني لإثراء المكتبة العربية بأعمال متنوعة.
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أبرز عقبة يواجهها المترجم هي غياب الناشر القادر على تلبية حاجاته المادّية والمعنوية"، يقول المترجم السوري.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- حقيقةً لا كلامَ بإمكانه التعبير عن جزءٍ من هذا الخطب الجلل، وأكثر ما يشغلني: لماذا وصل حال الأمّة إلى هذه الدرجة من الضعف والذلّ والهوان؟ والتساؤل الذي يؤرّقني ولا أجدُ له جوابًا: إلى متى؟ ولا يسعني سوى القول: "إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت حكايتي مع الترجمة قبل نحو ربع قرن، حينما دفعني شغفي العلميّ إلى أن أُيَمِّمَ شطرَ عاصمة اللغة الفارسيّة وآدابها طهران، لأمكثَ هنالك نحو سبعِ سنواتٍ، أدرسُ أدب الإيرانيّين وثقافتهم على أيدي أساتذتها الكبار، حتى نلت درجة الدكتوراه من جامعة طهران. وكانت أوّل تجربة لي في الترجمة هناك، حيث نقلتُ بعض الحكايات الشعبيّة من شاهنامة الفردوسي، وعملتُ على نشرها متفرّقة في إحدى الصحف الإيرانيّة الناطقة بالعربيّة في طهران سنة 2002، فلقيَتِ انتشارًا وترحيبًا بين القُرّاء العرب، وبعد مدّة تمّت طباعتها كاملة في "المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث" بالدوحة، بعنوان: "حكايات من الأدب الشعبي الفارسي". وتبع كتابي المترجم هذا ترجمة عشرات الكتب والمقالات في شتّى المجالات.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- نُشرَ لي كتابان هذا العام؛ هُما: "بين الفلسفة والكلام" عن منشورات "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، و"السُّلطة والمعرفة والشرعيّة في الإسلام" عن "منشورات مركز رواق" في بغداد. وقبل مدّة قصيرة أنجزتُ ترجمةَ كتابٍ مهمّ في التاريخ الإيراني المعاصر لمنشورات جامعة لوسيل القطريّة، وهو قيد التدقيق والتحرير، وسيصدر قريبًا إن شاء الله، وهنالك كتب أخرى تم تسليمها لبعض الناشرين ما زالت قيد التشاور.
قليلون جدّاً أولئك الذين يُنصفون المترجم ويقدّرون جهده
■ ما هي، في رأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- لعلّ أبرز العقبات هي غياب الناشر المناسب القادر على تلبية الحاجات المادّيّة والمعنويّة للمترجم، فالمترجم يقضي وقتًا طويلًا في ترجمة ما يراه مُهمًّا وضروريًّا للمكتبة العربيّة، ثم ينصدم لضياع شهور طويلة، بل سنوات أحيانًا بحثًا عن ناشر مناسب. وقلّما يجد ضالّته في ناشرٍ يمنحه حقوقه، ويقدّر قيمة كتابه وأهمّيّته العلميّة وينشره على صعيد واسع، بعيدًا عن الحسابات المادّيّة والتجارية. يضاف إلى ذلك ما يطغى على الساحة العامة من خلافات في المواقف والسياسات وغيرها، وذلك يؤثر بشكل ما في تبنّي كتاب دون غيره من قبل طرف ما، قد يقابله عدم قبول من طرف آخر.
■ هناك من يقول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- على الرغم من نيلي الإجازة الجامعية في اللغة العربية وآدابها من صرح علمي عريق وهو جامعة حلب، وتتلمذي على بعض علمائها الأجلّاء، لكن مهما بلغ المترجِم من التخصّص والدّقّة فلا غنى له عن المدقّقين اللغويّين والمحرّرين العلميّين والفنّيين المتخصّصين.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- بشكلٍ عام وجدتُ الناشرين العرب، ولا سيما دور النشر الخاصة غير المدعومة من الحكومات الرسمية، يفكّرون بعقلية التاجر، وقلّة هم الناشرون الذي يعنيهم العنوان العلمي المُهمّ، ونشر الثقافة الضرورية في عالمنا العربي أكثر من الربح التجاري السريع، وقلة جدًّا أولئك الذين ينصفون المترجم ويقدّرون الجهود التي بذلها.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- في ما يتعلق بالترجمة من الفارسيّة، من المؤسف القول إنّ السياسة في العالم العربي والعلاقات السياسيّة العربيّة الإيرانيّة وتقلّباتها باتت في الغالب تتحكم في اختيارات المترجمين، وقلّما تجد مُترجِمًا أوناشرًا يهتمّ بعنوان لا يخدم مصالح أحد الطرفين العربي أو الإيراني، وفي خضمّ هذه التوجّهات حُرمت المكتبة العربية والقارئ العربي من كثير من الكتب الفكريّة والأبحاث العلمية الجادّة الجديرة بالنقل عن الفارسيّة. ويؤسفني القول إن بعض كتبي المُهمّة التي ترجمتُها عن الفارسية لا تزال مخطوطة ولمّا تُطبع بعد، على أهميتها وعمقها وضرورتها، بسبب ما شاع عن مؤلفيها من مواقف ووجهات نظر فكرية لم ترُقْ بعضَ الأطراف العربية، فامتنع الناشرون عن طبعها.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- هي علاقة طيّبة في الغالب، وقلّما ترجمتُ لمؤلِّفٍ؛ من الأحياءِ أو الراحلينِ، بدون أن أتقبل فكره أو احترم رأيه. وفي الآونة الأخيرة ترجمتُ ثلاثة كتب لمفكِّرين ومؤرِّخين إيرانيين مرموقين تعرّفت عليهم شخصيًّا، وباتت علاقتي معهم مباشرة، فكنت أستشيرهم في بعض المسائل وأستفسر عن بعض الإشكالات التي تواجهني في أثناء ترجمة أعمالهم، وكانوا يمدونني بما كنت أطلبه وأحتاج إليه بكل سرور ليبلغ العمل أرقى درجاته.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- هذا صحيح، فالمترجم كاتبٌ بالقوّة، وهذا المترجم يصبح مُتقِنًا ومُميّزًا بالفعل حينما يتحرّر من قيود النص الأصلي وحَرفيته وجماليّاته، ويصبّه في بوتقة جديدة تتسق وذوق أصحاب اللغة التي ينقل إليها وجمالياتها وأساليبها، من دون أن ينحرف عن المعنى الأصلي. وحتى يتسنّى له ذلك لا بد له أن يكون متقنًا للّغتين، مُلِمًّا ببلاغتَيهما وأساليب تعبيرهما. والواقع أن حالة المترجم – الكاتب أعيشها في كثير من الأحيان في أثناء الترجمة عن الفارسيّة، خاصة في أثناء ترجمة المتون الأدبية، ولا سيما الأشعار، لكن ممارستها تحتاج إلى دقّة وحذر وحكمة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر ببعض الأفكار والموضوعات الحسّاسة في مجتمع قد لا يلتمس عذرًا للمترجم عند الخطأ.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لعلّها أجمل ما يمكن تقديمه مادّيًّا ومعنويًّا للمترجم الذي يقضي سنوات طويلة من سنوات عمره في هذا العمل الإنساني الشاقّ الخطير؛ فقد غمرتني السعادة حين نلت المركزَ الأوّل في الدورة السادسة لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في فئة الترجمة من الفارسيّة إلى العربيّة عن ترجمة كتاب "الزيديّة في إيران"، وأمدّتني بدافع قويّ لبذل المزيد من الجهد ومواصلة الإنتاج.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها في رأيك؟
- هذا صحيح، فالفردية تغلب على حركة الترجمة المعاصرة في البلاد العربيّة، ولكن ظهرت في الفترة الأخيرة بعض المؤسَّسات ومراكز البحوث والجامعات والوزارات، وضعت خطة سنويّة لترجمة عدد محدّد من الكتب عن لغات عالمية مختلفة، لكنَّ خططها لا تزال محدودة، ومقيّدة بالعوائق البيروقراطية والقرارات الرسميّة، وتحكمها أحيانًا ميول القائمين عليها ونزعاتهم الفكرية، الأمر الذي حرم المكتبة العربيّة من كثير من الإبداع العالمي.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها بصفتك مترجمًا، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- قبل الشروع في الترجمة لا بدّ بدايةً من قراءة النصّ الأصلي، وأحيانًا ما كُتب عنه، والتعرّف على مؤلِّفه، وأحيانًا أقرأ عن حالة العصر الذي ألّف فيه والظروف التي كانت سائدة، لأنّ ذلك يساعد كثيرًا على فهم شخصية الكاتب وتقمص شخصيته والنطق بلسانه، وصولاً إلى الاقتناع بأهمية الكتاب وضرورة نقله إلى العربية. وعند البدء أضع خطّة زمنيّة تقريبية للكتاب المزمعة ترجمته، تقوم على تحديد عدد معين من الصفحات الواجبة ترجمتها يوميًّا، وهي كمية تتفاوت بحسب صعوبة المتن وحجم صفحاته وتوفّر الوقت المناسب في ظلّ انشغالي بالتدريس والعمل الأكاديمي.
أترجم بداية بخط اليد، وفي نهاية اليوم أعيد قراءة ما أنجزته طوال اليوم وتصحيح الأخطاء واستكمال النواقص، وبعد الانتهاء من إنجاز ترجمة الكتاب أبدأ عملية التنضيد الإلكتروني، ومن ثم أعيد القراءة ثانية، وربما ثالثة، وعند الانتهاء أعمل على كتابة مقدّمة للكتاب، ثم أبدأ بمراسلة الناشرين.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم أندم على ترجمة كتاب ما بحدّ ذاته وإنما ندمت على نشر كتاب صعب جدًّا ومهمٍّ، ومرهق كثيرًا، أخذ منّي سنوات ثم نُشر لدى ناشر تاجر بصورة سيّئة وتوزيع ضعيف. ومهما يكن الأمر فالإنسان يخطئ ويصيب، والمهمّ أن يسعى لتصويب مساره والاستفادة من تجاربه.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك بصفتك مترجمًا؟
- هناك مؤلفون إيرانيون عباقرة، أصحاب مؤلّفات مهمة جدًّا، جديرة بالنقل إلى العربيّة، من أمثال الدكتور عبد الحسين زرين كوب، لكنّ ترجمة أعمالهم الكثيرة والضخمة ليس بالأمر السهل أبدًا على مترجم واحدٍ أو على بضعة مترجمين، ولعلها بحاجة إلى عمل مؤسَّساتي متكامل يشترك فيه فريق متخصِّص بالترجمة والتحرير، فضلًا عن الناشر المناسب، ولا مانع من التعاون بين متخصصين عرب وإيرانيين لإنجاز مثل هذا المشروع.
ومن جهة أخرى، وفي ظل أزمة النشر والتوزيع في بلادنا العربية، أتمنى أن تبادر إحدى الدول العربية ذات الإمكانات المادية الكبيرة، إلى تأسيس مركز كبير للترجمة، توظّف فيه أعلام الترجمة العرب، وما يلزم ذلك من مُدقّقين ومحرّرين ومُصممين وموزّعين، وتضع خطة متكاملة لمواكبة المؤلّفات العالمية في شتى الاختصاصات واللغات، وترجمتها ونشرها على أوسع نطاق في العالم العربي، بأسعار رخيصة أو مجّانًا عبر النشر الإلكتروني.
بطاقة
أكاديمي ومترجم سوري متخصِّص بالدراسات الإيرانية، من مواليد حلب، الأتارب 1977، حاصل على الدكتوراه في اللغة الفارسية وآدابها من جامعة طهران 2007. حاز المركز الأول في "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" عن فئة الترجمة من الفارسية إلى العربية في الدورة السادسة لعام 2020، يعمل حاليًّا عضو الهيئة التدريسية في كلّيّة الإلهيات في جامعة أرتفين تشوروه التركيّة. له في الترجمة: "حكايات من الأدب الشعبي الفارسي" (2008)، "الأدب الحماسي في إيران" (2017)، "الزيديّة في إيران" (2019)، "الإيرانيون بين الأوج والحضيض" (2020)، "المعاهدات التاريخية الإيرانية" (2020)، "بين الفلسفة والكلام" (2024)، "السُّلطة والمعرفة والشرعيّة في الإسلام" (2024).