استمع إلى الملخص
- يواجه المترجم العربي تحديات مثل صعوبة نشر الأعمال المترجمة ونقص الوعي بأهمية الترجمة. يؤكد خماسي على أهمية المحرر لضمان دقة الترجمة ويعتمد على آراء أصدقائه لتحسين أعماله.
- يرى خماسي أن الترجمة العربية تحتاج إلى جهود مؤسسية لتعزيز المكتبة العربية، ويطمح لتحقيق متعة فكرية للقارئ. الجوائز تلعب دورًا تحفيزيًا، ويصف الترجمة بأنها شبيهة بالكتابة.
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أُترجم أعمالاً تُؤطّرها منظومة المبادئ الإنسانية التي تضع في بؤرتها قضايا الإنسان الرئيسية من حرية وحقوق وغيرها"، يقول المترجم المغربي محمد خماسي في لقائه مع "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- إحساس بالأسى والغضب في ظلّ الإبادة الوحشية ضدّ أهل غزّة شيوخاً وأطفالاً، نساءً ورجالاً، أمام تواطؤ الغرب وصمت العرب. عزاؤنا الوحيد نَفَس المقاومة التي كطائر الفينيق تنبعث كلّ مرّة من رمادها أقوى من ذي قبل.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت مسيرتي الفعلية مع الترجمة أثناء إنجاز بحث لنيل ديبلوم المدرسة العليا للأساتذة في الترجمة. كان موضوع البحث دراسة مقارنة للبنية الزمنية بين اللغتين العربية والفرنسية، وبالموازاة اشتغلتُ على فصول من رواية "قصة حبّ مجوسية" للروائي عبد الرحمن منيف، وكانت ترجمة هذه الفصول إلى الفرنسية بمثابة الوجه التطبيقي للبحث. توالت بعد ذلك محاولات الترجمة في رحلات ذهاب وإياب بين اللغتين على أرضية نصوص متنوّعة بين فكر وأدب.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر الترجمات التي نُشِرَتْ لي هي ثلاثة دواوين شعريّة للشاعر المغربي عبد اللطيف اللّعبي. وأنا الآن بصدد الاشتغال على ديوان جديد للشاعر نفسه، وعلى مقتطفات من كتابَي مصطفى فهمي، الكاتب والشاعر المغربي المقيم بكندا، هما: "درس روزاليندا" و"وعد جولييت".
الترجمة المؤسّساتية انعكاسٌ لحال المشاريع الثقافية العربية
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- أبرز العقبات التي يواجهها المترجم العربي تكمن في الصعوبات التي تواجهها أعماله الترجميّة في طريقها إلى النشر في غياب الوعي العمومي بأهميّة الترجمة في بناء الجسور بين الثقافات وتبادل الأفكار بين الحضارات.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- وجود المحرّر مستحبّ ليضمن للعمل الترجمي مستوى من الدقّة اللغوية واحترام مقومات النص المنبع، لكنّ ذلك رهين باندراج مهمّة المحرّر في منظومة مؤسّسية تحدّد أدواره وحدود تدخّله. أمّا على المستوى الشخصي، فإنّي أعيد قراءة ما أنجزته عدّة مرات، كما ألجأ لرأي أصدقاء لهم من الزاد المعرفي واللغوي ما يجعلهم يتعاملون مع النصوص بقدر كبير من الدقّة والصرامة المنهجية، فأستأنس بملاحظاتهم وتصويباتهم في الصيغ النهائية لترجماتي.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- بالنسبة لجميع الأعمال التي أنجزتُ ترجمتها إلى الآن وعرفت طريقها إلى النشر، كانت العلاقة مع الناشر من شأن المؤلِّف. أمّا بعض الأعمال التي أرسلتها للناشرين، فكان الجواب إمّا أنّ الدار غير متخصّصة في الجنس الأدبي الذي اشتغلت عليه (بعض الدور الفرنسية مثلاً بالنسبة للأعمال التي ترجمتها إلى الفرنسية)، وإمّا هناك مشكلات في الحقوق.
وجود المحرّر مستحبّ، لكن ينبغي تبيان أدواره وحدود تدخّله
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- الأعمال التي ترجمتها تؤطّرها على العموم منظومة المبادئ الإنسانية الكبرى، التي تضع في بؤرتها قضايا الإنسان الرئيسية من حرية وحقوق وغيرها. فالمترجم هو بالنهاية قارئ، ومن المؤكّد أنّ ما يوجِّه قراءاته هي المبادئ السابقة نفسها.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- الكتّاب الذين تعاملت معهم على العموم ثُنائيو اللغة، إن لم يكونوا مترجمين بدورهم، ممّا يضفي على عمليات التبادل معهم أثناء الترجمة طابعاً ثريّاً، إن على المستوى الإنساني أو على المستوى المعرفي، فتصبح الترجمة ورشة مفتوحة تعتمد بالأساس مبدأ المفاوضة كما حدّده أومبرتو إيكو. والحقيقة أنني اعتبرت الكتّاب الذين اشتغلت على أعمالهم مدارس استفدت منها على أكثر من صعيد.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- يمكن القول إن الترجمة من جنس الكتابة أو هي أختها من الرضاعة، فهما يعتمدان بعض الميكانيزمات المشتركة، غير أنّ النصّ الأصلي يفرض قيوده وحدوده التي تحدّ من حرّية المترجم، ويبقى هامش الحرية في الأسلوب مرتهناً بطبائع وأمزجة النصّ الأصلي وصاحبه.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لا يمكن نكران الدور التحفيزي الذي تنهض به الجوائز. فالعديد من الأعمال تُرجمَت إلى عدّة لغات بعد تتويجها، ما أسهم في دينامية حركة الترجمة، وأبرز أهميتها في التثاقف ومدّ الجسور بين الثقافات والشعوب. أمّا على المستوى الفردي فمن شأن أثرها المادي والمعنوي أن يحفّز المترجم ويجعله يشتغل في ظروف جيدة.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- من يقارن العمل الترجمي الذي يُنجَز في البلدان العربية بنظيره في الغرب سيُصدم من حجم الهوة السحيقة بين الطرفين، لذلك تكتسي مسألة الترجمة طابع الأولوية في البلدان العربية. ولئن كانت معظم الأعمال الترجمية من صنيع مبادرات ومشاريع فردية، فإنّ مشاريع الترجمة المؤسّساتية يحكمها ما يحكم المشاريع الثقافية في البلدان العربية بصفة عامّة. فهذه البلدان تفتقر في الغالب لمشاريع ثقافية ترتبط بالمشروع المجتمعي الغائب بدوره.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- ثمّة نوع من المسؤولية يقع على عاتق المترجم تجاه النص المترجَم وصاحبه. فبالإضافة إلى مقاربة إيكو (أن نقول الشيء نفسه تقريباً في لغة أُخرى)، لا بدّ أن نحترم أبعاد النص المعجمية والتركيبية والدلالية وكذا السجلات اللغوية... حتى يكون للنص المترجَم نفس الأثر الذي يكون للنص الأصلي على متلقّيه. ويبقى لكل مترجم عاداته في العمل، غير أن الأساسي في نظري هو الحيّز الزمني الذي نفرده لكلّ ترجمة، مع الحرص على أن يكون العمل مسترسلاً لا انقطاع فيه للحفاظ على الخيط الناظم في النص وروحه العامّة.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- ربّما أنّ الندم غير وارد في هذا السياق، فالمترجم يذهب إلى النص بنوعٍ من الشغف، ونِسب التعثّر تبقى من طبيعة الأشياء. فقط يمكن أن تظهر بعض الهنات كان من شأن تصحيحها في إبانها أن يطمئن المترجم على عمله. وإن نحن نظرنا إلى نصف الكأس الممتلئ سنجد أن الكبوات التي يتعرّض لها عمل المترجم لا تقوم إلّا بتعزيز تجربته وتقوّية منهجه.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أن تتضافر الجهود وتنصهر المشاريع الفردية في المشاريع ذات الصبغة المؤسّساتية لإغناء المكتبة العربية بجديد الفكر والثقافة في العالم، وأيضاً لنقل الناتج الثقافي العربي إلى العالَم حتى نتمكّن من ردم الهوّة بيننا وبين الغرب في الترجمة. وكل عمل يحقق المتعة الفكرية والجمالية للقارئ في لغته الأصلية أتمنّى أن أنقله إلى العربية رغم تباين الأذواق والأفضليات الجمالية.
بطاقة
مترجم مغربي من مواليد أوريكا في ضاحية مراكش عام 1957. يترجم إلى اللغتين الفرنسية والعربية. من ترجماته إلى الفرنسية: "مدخل إلى القرآن الكريم" (2010) لمحمد عابد الجابري، وديوان "بسمتك أحلى من العلم الوطني" (2019) لطه عدنان. ومن ترجماته الأخيرة إلى العربية ثلاثة دواوين للشاعر المغربي عبد اللطيف اللّعبي: "لا شيء تقريباً" و"الأمل عنوة" و"الشعر لا يُهْزَمْ" ( صدرت جميعها عن "دار الرافدين" عام 2023).