مفكرة المترجم: مع أميرة بدوي

مفكرة المترجم: مع أميرة بدوي

28 اغسطس 2021
أميرة بدوي
+ الخط -

■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟ 
عندما قرّرت استكمال دراستي الجامعية، بعد حرماني من هذا الحق بعد الدراسة الثانوية. اخترت دراسة اللغة الإنكليزية في قسم الترجمة بـ"جامعة القاهرة". كان لديّ شغفٌ منذ صغري بدراسة الإنكليزية، وحبّ للأدب، لذلك قررت متابعة هذا الشغف. ومع تجارب الدراسة في الترجمة، وما يمكن أن أدعوه بتمارين الترجمة آنذاك، كنت مستعدّة لبدء خطوتي الأولى في عالم الترجمة الأدبية مع رواية "تائهة في الحي الإسباني" للروائية الأميركية هيدي جودريتش.

■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
آخر ترجمتين قدمتهما كانتا لفرجينيا وولف، وهما روايتا "أورلاندو" و"غرفة يعقوب". قرّرت الخوض في عالم وولف لصعوبته، ولاعتقادي بأن الترجمات السابقة ظلمتْها إلى حدّ ما. أما الآن، فأخوض تجربةً جديدة في الترجمة غير الروائية، وعندي مشروع لسلسلة من الكتب الفكرية المعاصرة التي تتناول العالم من زوايا فلسفية على وجه الخصوص. وبشكل عام، أهتمّ حاليّاً بالموضوعات التي تفتقر إليها المكتبة العربية.

■ ما هي، برأيكِ، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
أتخيّل أن المترجم العربي ذاته قد يكون عقبة أمام عملية الترجمة. الترجمة تحتاج إلى مترجم مثقّف، فهو يتعامل مع نصّ يتناصّ أو يعارض مجموعة من النصوص السابقة عليه، ولا بدّ أن تكون لديه معرفة بتلك النصوص ــ فلا يوجد نص يُولد في الفراغ ــ إضافة إلى قراءة السياق الثقافي والاجتماعي الذي ولّده. كما قد يعاني المترجم العربي في البداية من ضعف العائد المادي أو من ضيق أفق بعض دور النشر التي تحبّ دوماً اللعب بالورقة المضمونة، وعدم التورّط مع كتّابٍ لا يعرفهم القارئ مُسبقاً، ممّا يؤدي إلى تكريس المكرّس والمكرّر.

لا ينبغي أن يرى القارئُ عملي؛ أنا ظلٌّ للكاتب فحسب

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتكِ بعد الانتهاء منها؟
أسعى دوماً، بعد الانتهاء من الترجمة، إلى أن تكون مثالية: أراجعها عدّة مرات. مع ذلك، أفضّل دوماً التعامل مع محرّر لمراجعة شغلي. من الجيّد النظر إلى النصوص بعين أخرى. إذا كانت لدى البعض مشكلة مع عمليّة التحرير، فأعتقد لأننا لا نعرف فكرة العمل ضمن فريق.

■ كيف هي علاقتكِ مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
يختلف الأمر من ناشر إلى آخر. بعض الناشرين مثقّفون ومتفهمّون، ويقدّرون خبرة أو ثقافة المترجم، ويعرفون أنه من الأفضل الاستماع إليه أكثر من توجيهه، بحكم أنه "مالكٌ" في مدينته، والبعض الآخر يكون لديهم خوف من خوض التجارب الجديدة أو طرح أسماء غير معروفة للقارئ. في الحالتين، أقدّم إلى الناشر مجموعة من العناوين المقترحة، وأحاول إقناعه بأهمّية الكاتب أو أهمية العمل، مع تقديري لمخاوفه التسويقية.

■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختياركِ للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
في الحقيقة، لم أترجم عملاً يضعني بوضوح أمام هذه الإشكالية. في النهاية، قد يمثّل أيّ عمل أزمة سياسية مهما حاول الابتعاد عن السياسة؛ قد يكون تطرّقه للجنس أو للهوية الجنسية أو الجندرية أزمةً بالنسبة إلى سياسات دولة ما. لا يُشترَط أن يكون العمل سياسياً ليفعل ذلك. 

■ كيف هي علاقتكِ مع الكاتب الذي تترجمين له؟
يختلف الأمر تبعاً إذا كان عملاً معاصراً أو قديماً. عندما ترجمت رواية "تائهة في الحي الإسباني"، كنت مهتمّة بالعودة إلى الكاتبة الأميركية هيدي جودريتش، والتأكّد منها في بعض التفاصيل. ربطتني صداقة قوية بها من ذلك، خصوصاً وأن عملها كان يستكشف مجتمعاً ثقافياً مغايراً لها، وهو ما أميل إليه عند الكتابة الأدبية أيضاً. أما بالنسبة إلى فرجينيا وولف، فكانت بمثابة مرشدة مُلهمة لي. نعم، أتعلّق بشدّة بالكتّاب الذين أترجمهم، لا بنصوصهم فقط، وأشعر أحيانًا أنني مختلّة، كأنني أتقمص أرواحهم، أو أسعى إلى ذلك.

■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلكِ؟
دائماً ما أردّد أن الترجمة أثْرت الإبداع لديّ، وكذلك لم أكن لأكون مترجمة لو لم أكن قادرة على تطويع اللغة ابتداءً، بحكم تجربتي الأدبية. في الأدب، أتوقّف عند كلّ مفردة وأختار الأنسب منها، بحساسية خاصة للمترجم الساكن داخلي؛ وعند الترجمة، لا أحاول فرض لغتي على النصّ، ألعب لعبة التخلّي عن قاموسي اللغوي، ومحاكاة أسلوبٍ آخر. في النهاية، لا ينبغي أن يراني القارئ. أنا ظلّ للكاتب. مع ذلك، أستطيع تهريب مفردة من قاموسي اللغوي ككاتبة، مفردة تكون الأجدر دوماً على التعبير، دون أن تسبّب إزعاجاً لأحد. في النهاية أنت تقرّب نصّاً من ثقافة إلى ثقافة أخرى، دون أن تجعله يبدو وليدًا لمجتمع القارئ. عليك أن تجعل القارئ يرى الروابط والاختلافات بين الخروف المذبوح والخنزير المذبوح، في عيد الأضحى وعيد الميلاد، بين التقاليد العربية والتقاليد الإيطالية، دون أن تزيّف الجغرافيا أو تزيف لغة العالم.

■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
أقدّر جوائز الترجمة كثيراً، ربّما لقلّتها، وأهمّيّتها. دور المترجم يساعد الثقافة على النظر إلى خارجها، وإيجاد روابط بينها وبين ثقافات أخرى، أو احترام الاختلافات، ودونه ستكون الثقافة منغلقة على نفسها، والثقافة المنغلقة على نفسها تخلق بشراً متعصّبين ومتطرّفين في النهاية. لذلك، أقدّر كثيراً دور أيّة مؤسّسة أو جائزة تدعم المترجمين مادّياً أو معنويّاً وتقدّر جهودهم لإثراء الثقافة العربية.

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسّساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
معظم المترجمين الذين يستطيعون الوصول إلى تلك المشاريع المؤسّساتية مشهورون إلى حدّ ما، أو دعني أقول إنهم يتمتّعون بعلاقات قوية متشعّبة في الأوساط الأدبية، الأمر الذي يفتقر إليه المبدعون من المترجمين الشباب. في رأيي، إتاحة الفرصة للمترجمين الشباب المبدعين هو الذي ينقص تلك المؤسّسات. ليس مطلوباً من المترجم أن يبذل كلّ هذا الجهد، أن يقبل أسعاراً مُهينة، أن يتعامل بما لا يرضيه في البداية كي يصل في النهاية إلى المعاملة والتقدير المادي الذي يستحقّه. في اعتقادي أن الإثراء الذي يُقدّمه المترجم للترجمة العربية يستحقّ التقدير أكثر من ذلك.

أتعلّق بشدّة بالكتّاب الذين أترجمهم، لا بنصوصهم فقط

■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لكِ عادات معيّنة في الترجمة؟
أؤمن بأهمّية قراءة العمل بلغته الأصلية قبل الشروع في ترجمته، بالإضافة إلى الاطّلاع على قراءات نقدية تتناوله بشكل مفصّل، وإن تشظّى هذا العمل في صورة فنية أخرى؛ سينمائية مثلاً أو تلفزيونية أو مهما يكن، فلا بدّ من الاطّلاع عليها. لا أؤمن أن هناك عادات أو طقوساً معيّنة إن توفرت في مكان عملي ستساعدني على أداء الترجمة بشكل مِهني. إن ظننت أنني مستعدّة تماماً للترجمة، عليّ أن أجلس إلى الكمبيوتر وأترجم.

■ كتاب أو نص ندمتِ على ترجمته ولماذا؟
قبل العمل في مجال الترجمة الأدبية عملتُ في فروع الترجمة المختلفة مثل الترجمة الصحافية، والترجمة العامة، وترجمة الألعاب والموضة والفلسفة وعلم النفس، وعملت فترةً طويلة في ترجمة قصص الأطفال والمراجعة والتحرير. لا أعتقد أنني ندمت على كلمة واحدة ترجمتها، لأن كل ذلك ساعد في بناء خبرتي الجمالية والفنية. 

■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمكِ كمترجمة؟
أتمنّى أن تتجاوز دور النشر والمؤسسات المهتمّة بالترجمة فكرة حقوق النشر، أقصد أن بعض دور النشر تفضّل أن يكون العمل ليس له حقوق، وذلك يفوّت على القارئ العربي فرصة الاطّلاع على الأدب المعاصر. أتمنّى أيضاً أن يُوضَع المترجم في المكانة التي يستحقّها، وأن يحصل على التقدير المعنوي والمادّي الذي يستحقّه أيضاً.


بطاقة
أميرة بدوي من مواليد عام 1991، حائزة على إجازة في الآداب وترجمة اللغة الإنكليزية من "جامعة القاهرة". أصدرت مجموعة قصصية بعنوان "ست زوايا للصلاة"، ونالت "جائزة طلعت حرب الثقافية". نقلت إلى العربية ثلاث روايات، هي: "تائهة في الحي الإسباني" (منشورات إيبيدي) لهيدي جودريتش، و"أورلاندو" (دار العين للنشر) و"غرفة يعقوب" (مكتبة المتنبي) لفيرجينيا وولف.

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون