استمع إلى الملخص
- أثر العدوان بشكل كبير على حياة الكاتب اليومية والإبداعية، حيث يشعر بالشلل والعجز أمام الواقع، لكنه يرى في الأدب وسيلة لإعادة إنتاج المأساة بشكل إنساني، ويؤمن بقدرة الجيل الغزي على تحويل الآلام إلى إبداع.
- يعبر الكاتب عن رغبته في تحقيق العدالة، ويعبر عن إعجابه بإرادة الشعوب العربية في مواجهة الظلم، ويوجه رسالة دعم وتعاطف لأطفال فلسطين، مؤكداً أن ألمهم سيصبح يوماً ما مصدر إلهام وإبداع.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "تشغلني هواجس الغزيّين على امتداد أكثر من 465 يوماً الماضية" يقول الكاتب الفلسطيني لـ "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- في الحقيقة هي مجموعة من الهواجس، منها هاجس الصدمة مما آل إليه العالم هذه الأيام، لم أكن أتخيّل في يوم من الأيام أن نواجه تهشُّم المعاني وازدواجية المعايير والنفاق الدولي بكلّ هذا الوضوح وبكلّ هذه الوقاحة. تشغلني هواجس الغزيّين على امتداد أكثر من 465 يوماً الماضية، كيف يتأمّلون الأشياء من حولهم؟ كيف أصبح الوقت والانتظار بالنسبة إليهم؟ أفكّر وأتأمّل وأتخيّل اللحظة الأُولى التي ستلي وقف العدوان، أتخيّل الشهقة الأُولى والليلة الأُولى بعدها، سلامات من نجوا وحنينهم إلى من رحلوا، لا أستطيع أن أستجمع هذه الفكرة، ولا أستطيع ان أمنح نفسي هناءة التفكير العميق فيها، فكرة ما يحدث في غزّة لا زالت غائمة عندي، لا تستطيع أن تتأمّل ولا أن تتخيّل أو حتى تقارب المأساة بأيّ شكل.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- العدوان أصابني بالشلل، في السابق كنت أتخيّل الأدب يتجاوز الواقع، يكثّفه ويُمسك بيده إلى مساحات أرحب وأكبر وأبعد، لكن هذه المرّة تفوّق الواقع على قُدرة الأدب على التخييل، وتركه عاجزاً عن مقاربته والاقتراب منه وتحسّسه وتخيّله، وهنا مكمن العجز والشلل عندي، أستطيع أن ألخّص حياتي اليومية في حدود انتظار أن ينقضي الألم، أعرف أن الألم لا ينتهي بانتهاء الحدث، لكنّي أُريد للصداع الجمعي أن يتوقّف، بكلّ خساراته وبكلّ كوارثه، أُريد أن يتوقّف فوراً من أجل من انسلخت جلودهم من تكالب الدنيا عليهم. اليوم، كلّ شيء أخذ لوناً آخر، وانزاح عن طبيعته إلى شكل من الحزن الممتدّ والألم المتفرّع والانتظار الذي لا يفضي إلى شيء.
■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- مع إدراكي أن الأدب مهزوم أمام الإبادة، إلا أن الأدب يظلّ الأقدر على إعادة إنتاج المأساة في قالب جديد، يؤنسن الألم، ويمنحه بعداً آخر، لا يغيّر ألوانه وجلده بالطبع، لكنّه يكشفه من جديد أمام العيون، الأمر يشبه أن تتحسّس جرحاً على وشك الالتئام، الأدب هو الأقدر على تأمُّل الجراح والندوب، وهنا مكمن قوّة الأدب. إن الأدب لا يستطيع أن يوقف الدبّابة ولا الرصاصة المندفعة، لكنه يستطيع أن يحفظ الصرخات والآهات والحكايات المحبوسة في الصدور إلى ما لا يمكن تخيّله من آفاق وأزمان، لذلك أنا أُراهن على جيل المبدعين الغزيّين الذين يخزّنون الآلام على شكل قصائد وقصص وروايات لعالم ما بعد الإبادة، هذا هو السلاح القادم في وجه المجرم.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أم مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- الكتابة هي حاجة قبل كلّ شيء، حاجة الشخص لأن يقول: "أنا هنا"، وبالتالي هي وسيلته لمواجهة العالم والذات وما بينهما من مسافات ومساحات، لا أستطيع أن أتخيّل نفسي بعيداً عن الأدب، وبعيداً عن رؤيتي الأدبية للوجود، وما ينطوي على هذه الرؤية من رغبة بتغيير الأشياء ومنحها بُعداً آخر وزمناً آخر، وهذا غالباً ما يستطيع الكاتب أن يخلقه في وعيه الداخلي والخاص.
رهان على جيل غزّي مبدع خزّن الألم على شكل قصائد وقصص
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أُريد أن تتحقّق العدالة، هذا ما يُسيطر على عقلي وقلبي وروحي هذه الأيام: العدالة. لا يُمكن لهذه الآلام والجروح والندوب والانتظار الطويل أن تذهب دون أن يندم المجرم، ودون أن تندم منظومة النفاق والمصالح في العالم، ولكي يتحقّق ذلك ثمّة الكثير من الأشياء عليها أن تحدُث، لذلك أنتمي لفكرة أنّ الجريمة لا تسقط بالتقادم، ولن تسقط من وجدان من ينتمون إلى فكرة العدالة، أُريد للعدالة والسعي إليها أن تكون فكرتي وهاجسي فيما تبقّى لي من دور شاهدا على الجريمة، وفاعلا على المستوى النضالي.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
- أُريد أن ألتقي بماجد أبو شرار، المناضل والأديب الفلسطيني، أُريد أن ألتقيه لأنه قادم من زمان لم أعشه لكني أحنّ إليه، زمن صعود الثورة وصعود الأدب الفلسطيني الجديد، الأدب المؤسِّس للفلسطيني الجديد، المناضل والحالم والقابض على جمر المؤامرات والمصاعب، الأديب الذي دفع ثمناً، حياته تماماً، بالاغتيال، ثمناً للموقف والكلمة والحلم، أتخيّل دائماً مسيرة أبو شرار، وكيف نشلته الثورة من أحضان الكتب والمقاربات الرومانسية في الأدب، إلى غابة البنادق، وأتخيّل المآلات وفرضية ماذا لو؟
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
- أخجل من معاناتكم، وأخجل من عجزي، وأخجل من لحظات نسيان وسرور تسلّلت إلي دون وعي منّي، أسأل نفسي دائماً، هل كان بإمكاني أن أفعل شيئاً غير الصراخ والغضب والحزن والتذكّر ولم أفعله؟ لقد كشفت آلامكم عن هشاشة الفرد المتأصلة أمام جبروت العالم.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- صادف أن كنتُ في عمّان قبل شهر من الآن، وصادف أنني وقفت وجهاً لوجه أمام عظمة إرادة الشعب الأردني حين يقرّر أن يفعل ويتجلّى فعله وتحديداً في مسألة المقاطعة، الشعب الأردني نموذج عظيم للشعب حين يقرّر، وللإرادة العظيمة حين تتجلّى، أسمع عن حراكات مماثلة في مصر والعراق والجزائر وغيرها، ويشدّني خيط حنين إلى صورة العربي في ذهني.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
- أقول لدارين، قد تقرئين رسالتي أو كلامي، أو أن رسالتي ستذوب في زحام ما يصل إليك من رسائل وما يتساقط منها على الطريق، لكني أُريد أن أقول لك إن ألمك ستنبت له أجنحة كبيرة وملوّنة تحلّقين بها في سماء القادم من أيامك، هذه الخسارة التي لحقت بقلبك الصغير ستنفجر يوماً ما علماً وإبداعاً وحناناً لأطفال آخرين ستقفين إلى جانبهم وتمنحينهم ما خسرتِه ظلماً في هذه اللحظة العصيبة، ألمُكِ الكبير هو ألمنا المستمرّ، وخسارتكِ هي خسارتُنا الأقسى.
بطاقة
كاتب فلسطيني من مواليد قلقيلية عام 1980. صدرت له مجموعة نصوص سيرية بعنوان "صديق نقطة الصفر" (2017)، ويعمل حالياً على إنهاء رواية جديدة تعود إلى تفاصيل وأجواء انتفاضة عام 1978. يكتب في الشأن الثقافي.