استمع إلى الملخص
- يشارك في المعرض فنانون من جيل التسعينيات ومطالع الألفية الجديدة، تعكس أعمالهم تجاربهم مع الأحداث السياسية والاجتماعية في سوريا، مثل "تراكُم" لدلع جلانبو و"إلى الذاكرة مُجدّدًا" لمية عمّار سيدا.
- تتنوع أعمال المعرض، مما يثير التساؤل حول قدرة السلطة الجديدة على دعم الفنون، خاصة مع تعيينات مثيرة للجدل في المؤسسات الفنية.
تنامت في دمشق، خلال الحُكم البعثي لسورية، ظاهرةٌ يمكن تسميتها بـ"الأبنية المُعطّلة"؛ عماراتٌ ومؤسسات من أدوار عديدة، وبتصاميم هندسية غريبة، بقيت غير مُكتملة رغم أنها وُضعت قيد التنفيذ منذ عقود. ومن أبرز هذه الأمثلة "وردة مسار"، وهو أحد مشاريع "الأمانة السورية للتنمية"، المؤسسة التي كانت تُديرها أسماء الأسد ضمن منظومة الحُكم البائد، لتكون مركزًا لاستكشاف الأطفال واليافعين، لكن المبنى تحوّل بفعل سنوات من الفساد إلى رمزٍ عن نظام قمعي مُشوّه.
بعد سقوط نظام الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، حاولت مجموعات شبابية أن تستثمر حيّز الفراغ في مبنى "وردة مسار". وضمن هذه الرؤية، افتُتح فيه مساء السبت الماضي معرضٌ متعدد الوسائط بعنوان "طريق"، ويتواصل حتى الثامن عشر من إبريل/ نيسان الجاري، بمشاركة تسع وعشرين فنّانة وفنّانًا سوريًا من الجيل الشابّ، في محاولة لتأكيد "قدرة الفنّ والإرادة على استعادة الحياة، بعيدًا عن رمزية السلطة"، كما ورد في تقديم "مؤسسة مدد للفنون البصرية"، وهي الجهة المُنظِّمة للمعرض.
محاولة لتأكيد قدرة الفنّ والإرادة على استعادة الحياة
اللافت في المعرض أنّ المُشاركين كلّهم من جيل التسعينيات ومطالع الألفية الجديدة، أي أنهم الجيل الذي شهد وعاش تفاصيل الأربعة عشر عامًا الماضية من عُمر سورية بأغلب تفاصيلها، بما تخلّلها من احتجاجات شعبية وقمع وتوحُّش وسجون ونزوح، ولا ننسى التفاعل بين الداخل والشتات الذي نستطيع تلمّسه في أعمال "طريق". وأخيرًا، وبطبيعة الحال، شهد هذا الجيل الحدث الأبرز في حياته، والمتمثّل بسقوط نظام الأسد.
كلّ هذه الثيمات السياسية والاجتماعية تُطالعنا في أعمال شبان وشابّات "طريق"، ومن بينها عملٌ بعنوان "تراكُم" لدلع جلانبو (2000)، حيث يُحيل إلى طبقات من القهر ظلّ يرزح تحتها الإنسان السوري طوال عقود الديكتاتورية الأسدية. في حين تعود لمية عمّار سيدا (2001)، "إلى الذاكرة مُجدّدًا"، وهو سؤال مُلحّ في سياق المشهد السوري اليوم وانعكاساته على الفنون ومساهمة الفنّانين في اقتراح الأجوبة.
أمّا حُذيفة حورية (1994)، فيستعين بـ"صندوقة العجائب" لقراءة الواقع، فالأمر تجاوز حدود المعقول، ولا بدّ من آلة سحرية عجيبة توسّع من خيالاتنا وآفاقنا. "أنا وأنت"، عنوان عملٍ لوسيم سلّوم (1999)، مجموعة من الرؤوس تُحاول أن تتحاور لكن الصمت ما زال يلفّ المشهد. وكذلك الأمر مع عمل "طبيعة صامتة" لمجد حناوي (1993)، الذي كان قد شارك، مؤخّرًا، في معرض جماعي أُقيم بدبي بعنوان "السقوط، 6:18"، وقدّم الأسلوب ذاته أيضًا، فالصمت أعلى مراحل التعبير. ويلفت عمل شيرين حسين (1998)، "ستنتهي الصلاحية"، بسخرية، إلى الحدود والشروط التي تصنع محيطنا اليوم، في إشارة لمّاحة إلى الشعار الذي حُكمت به سوريا لعقود "الأبد".
من عناوين أعمال المعرض أيضًا: "مراية" لوئام تاتو (1995)، و"نحن كجملٍ مُنقسم" لكريم الخطيب (2000)، و"صاح الديك - الريح تصيح" لكنان أباظة (1999)، و"اغرس" لرالا طرابيشي (2003)، و"فوات" لجودي شخاشيرو (2000)، و"أن تُشفى" لأنوار الأخضر (1999)، و"إبحار بالعاصفة" لفؤاد خطّار (2002)، و"أفق" لحسن الماغوط (1986)، و"معبر" لإياد ديوب (2000)، و"بُعد مخفى" لرزان عرابي (1996)، وملاذ عرابي (2002)، و"خزّان سوري" لماسا الدبس (2000).
يجدر التمعّن في هذه العناوين والأساليب الرمزية التي يُسخّرها الجيل الفني الجديد في سورية. بل حريٌّ أيضًا التساؤل عما إذا كانت السلطة الجديدة اليوم قادرة على النهوض بنيويًا وأكاديميًا بقطاع الفنون. ففي الوقت الذي لاقى تعيين أستاذة المسرح الحديث ميسون علي عميدة لـ"المعهد العالي للفنون المسرحية" في دمشق أثراً طيبًا في أوساط الطلّاب والمختصّين، أثار، في المقابل، تعيين محمد صبحي السيد يحيى رئيسًا لـ"اتحاد الفنانين التشكيليين" في دمشق الكثير من الجدل حول أحقيّته بذلك.