استمع إلى الملخص
- الحب هو المحور الأساسي، حيث تستعرض الرواية تجلياته وتفاعلاته المعقدة، مثل زواج وصال غير المرضي وعلاقتها مع عامر، وعلاقة ميسون المعقدة مع الشيخ عبد القادر.
- تقدم الرواية رؤية شاعرية للحب، حيث يظهر كغناء وشعر للنساء، بينما يظهر للرجال كشيء رتيب، مع تساؤلات حول الحب والشهادة.
"مسدّس سلف"؛ رواية الكاتبة اللبنانية جنان خشوف، الصادرة عن "دار المعارف" اللبنانية، تُحيّر بعنوانها الذي استُجلب من استطراد غير أساسي في الرواية، والحال أنّنا نبقى في الحيرة إلى أن ترسو الرواية على ثلاثة أشخاص هُم إخوة: ميسون وخالد الأخ غير الشقيق ووصال. بالطبع يلحق الثلاثة أشخاص كثر، الأب والأُمّ وزوج وصال أشرف، وحبيبها عامر، وسموّ الشيخ الذي تعشقه ميسون، ومازن وسواهم. الروائية هي أيضاً شاعرة، ليس علمنا بذلك منها فحسب، بل من الرواية التي تختتم بأكثر من قصيدة، وكأنّ الشعر وحده يصنع نهاية أو يصلح لها.
لنقف عند الثلاثة لنفهم أنّهم من الجنوب اللبناني. الرواية التي تحوم حول هذا الجنوب وبلدانه ومدنه، ليس فيها ما يمتّ إلى المجتمعات الجنوبية. لا يمكننا أن نجد في شخصياتها نماذج جنوبية، وقلّما نصادف فيها وقائع معروفة في تاريخ المنطقة، بل إنّنا حين نقرأ أنّ خالد، الأخ غير الشقيق استشهد في سورية، لا نجد شرحاً لذلك، ولا نعرف فيم استشهد خالد وأين. لا نلتقي خالد، إلّا أنّنا نعرفه من أختَيه، وهو بالنسبة إليهما مثالٌ حقيقي، إنّه بطلهما ورائدهما وقدوتهما. قد نتذكّر عند ذلك حرب "حزب الله"، إلى جانب النظام الأسدي في سورية، لكن جنان لا تتبرّع بأيّ نسبة أو تفسير.
الرواية، وهي تسمو بالحُبّ وتتغنّى به، تجعله بعيداً
هنالك إلى جانب خالد وصال، التي انتهى بها الحظّ إلى الزواج بأشرف؛ الوجيه السياسي الذي يريدها سنداً له وأمينه لبيته، وهي ترضى بذلك وتسكت عنه، بينما تجد عزاءً في عامر الذي يعرض حبّاً يثير قلقها، إلى أن يصل الأمر إلى ابنتها عائشة التي تريد أن تتحجّب وهي في الثانية عشرة، ويريدها أبوها أن تفعل ذلك، ما يعود عليه حين ذاك من حسن السمعة، فيما هو شرّيب خمر وزانٍ. عند ذلك تثور وصال وتصارح أشرف بما تعرفه عنه، وتقول له رأيها فيه، أمّا ميسون التي تبقى عزباء، فتعوّض عن حُبّ كسير بعلاقة مع سموّ الشيخ عبد القادر.
والغريب، ضدّ ما يدرج عن علاقة كهذه غالباً ما تُفسَّر بالجشع والطمع وحُبّ المال والسلطة، أنّ ميسون تشغف حبّاً بالشيخ وتعاني الثانوية التي يلحقها الشيخ بها، وشواغله التي تبعده عنها، وعلاقاته الأخرى التي تتوجّس منها. ميسون هذه، التي لم تتزوّج ولم تنجب، تحيط ابنة أختها عائشة بأمومة حقيقية، وتهرع من دبي إلى لبنان، ما إن تصلها، من وصال، قصّة حجابها، لتقف إلى جانبها وجانب أمّها.
الرواية تُطلّ بما يشبه التأمّل، وبما يقترب من الخواطر، وما يمكن أن يشبه الشعر، إلى أن تجتمع على ما يغدو، أكثر فأكثر رواية، وما ينتهي إلى أن يخلص إلى الأركان الثلاثة للرواية، التي تجد شيئاً فشيئاً موضوعها. الأساس وهو الحُبّ الذي تكاد تصبح غناءً له وعنه. الحُبّ يتجلّى أكثر فأكثر موضوعاً للرواية التي تتناوله هكذا من جهة التباسه وضديّته، وتفاعلاته. الحُبّ هنا يكاد يكون غناء الأنثى، بل عصب حياتها. ليس للرجال الذكور هذه الخاصية. الوجاهة والسياسة تأخذان أشرف زوج وصال، الذي يُقدّم لنفسه وجهاً يتعارض مع حقيقته، أي إنّه يقيم علاقات مع نساء أقلّ جمالاً وسحراً بكثير من زوجته، التي تبقى مع ذلك حبّه الأوّل والأكبر.
أمّا سموّ الشيخ عبد القادر، فهو سموٌّ فحسب، هو متعلّق بميسون لكنّه لا يمانع في أن يخونها. الرجال خونة والنساء شغوفات مقيمات على الحُبّ، بل قادرات على الحُبّ. الأمر الذي يعوز الرجال، لكنّ هذا لا يجعل من الحُبّ فقط مسألة نسوية، بل يجعل منه مثالاً أقرب إلى الغناء وإلى الشعر وإلى الوهم. الرواية، وهي تسمو بالحُبّ وتتغنّى به، تجعله بعيداً، يكاد مع ذلك أن يكون وهماً. إنّه بالنسبة إلى الرجال رتيبٌ عادي إلّا في أحوال نادرة، يكاد معها أن يساوي الشهادة. عند ذلك يغدو الرجل فوق الرجال، بل فوق الناس جميعاً، كما كان الأمر مع خالد المُحبّ حقّاً، والذي يجعله حُبّه، الذي لا نعرف إلى من وقد يكون فقط لشقيقاته. يجعله ذلك، على نحو لا نتبيّنه ولا نعرف حقيقته، يغدو بهذا الحُبّ، غير المسمّى وغير الواضح، شهيداً.
* شاعر وروائي من لبنان