مريم أبو طالب ووليد طاهر.. حين يسعف الفن اللغة

30 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:06 (توقيت القدس)
لوحات وعمل تركيبي لمريم أبو طالب (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تجربة مريم أبو طالب تتجاوز الجماليات التقليدية للخط العربي، حيث تحول الحروف إلى كائنات بصرية حية تحمل أبعادًا عاطفية وذاكرة شخصية، مستكشفة هوية بصرية عربية متجددة.
- وليد طاهر يمزج بين الحكاية واللوحة، حيث تتشابك اللغة مع الألوان والخطوط لتخلق بعدًا سرديًا يتجاوز المشهد البصري، مما يعكس حالات إنسانية عابرة ويدعو لإعادة النظر في معنى الوجود.
- قوة المعرض تكمن في الحوار بين تجربتي الفنانين، حيث تأخذنا مريم إلى الداخل الشخصي بينما يأخذنا وليد إلى الخارج المجتمعي، مما يطرح أسئلة حول قراءة الحرف ودور الفن في تسجيل الذاكرة.

تبدو تجربة الفنانة المصرية مريم أبو طالب وكأنها محاولة لاستنطاق الحروف بما يتجاوز وظيفتها اللغوية المعتادة. في أعمالها، تتحول الأبجدية العربية إلى مادة بصرية حيّة، تتنفس إيقاعاتها الخاصة، وتتوزع على المساحات كما لو كانت كائنات تبحث عن معنى جديد. لا تكتفي الفنانة باستدعاء جماليات الخط، بل تمنح الحرف بعداً عاطفياً يمس الذاكرة والمشاعر، فيغدو النص مشهداً مرسوماً أكثر منه جملة مكتوبة.

في معرضها المشترك مع الفنان المصري وليد طاهر، والمستمر في غاليري ضفاف بـ بيروت حتى 23 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تستمر الفنانة في هذه النزعة التي تجعل أعمالها أقرب إلى دفتر شخصي مفتوح. في هذا الدفتر تُسجل أبو طالب مشاعرها وتأملاتها، لكنها في الوقت ذاته تربطه بسياق أوسع يتصل ببحث الفن المعاصر عن هوية بصرية عربية متجددة. في هذا المعرض الذي يحمل عنوان "مكتوب" تتقاطع الذاكرة مع الحلم، ويتحوّل الحرف إلى جسر يصل بين ما هو ذاتي وما هو إنساني عام.

ما الطريقة التي نقرأ بها الحرف، هل نراه نصاً أم صورة؟

على الجانب الآخر، في تجربة وليد طاهر، تتجاور الحكاية مع اللوحة، وتتشابك اللغة مع الخطوط والألوان في مساحة واحدة. فالفنان الذي خبر الرسم الصحافي وكُتب الأطفال، ينقل حسّ الحكاية إلى أعماله التشكيلية، ليمنحها بعداً سردياً يتجاوز المشهد البصري المباشر. ألوانه ليست زينة سطحية، بل إشارات إلى حالات إنسانية عابرة، بينما تأتي ضربات فرشاته كأنها محاولة لتثبيت ما يتفلت من الوعي. في أعمال طاهر، تتجلى فكرة العبور والزوال، إذ يتحول الشكل إلى أثر، والملمس إلى صدى، كما لو أن اللوحة لا تكتمل إلا في عين المتلقي الذي يعيد نسجها داخله. يذهب طاهر في رحلته بين التجريد والتلميح إلى بناء لغة خاصة، تتقاطع فيها الطفولة مع الفلسفة، واليومي مع الكوني. وفي هذا المزج، يضع المشاهد أمام مرآة بسيطة وعميقة في آن، تعكس لحظات هشّة من وجودنا، وتدعونا إلى إعادة النظر في معنى أن نكون عابرين في هذه الحياة.

من أعمال وليد طاهر
من أعمال وليد طاهر

قوة المعرض لا تكمن في فردية كل تجربة بقدر ما تتجلى في الحوار بين الاثنين، فبينما تأخذنا مريم أبو طالب إلى الداخل، حيث الحرف يتحول إلى سرّ شخصي وطلاسم حميمة، يأخذنا وليد طاهر إلى الخارج، حيث الكلمة تتجسد في الشارع وتلتقط من اللغة اليومية خفة الدعابة وقسوة الواقع. هذه المسافة بين الداخل والخارج هي التي تمنح المعرض بعده الإشكالي، ليتجاوز حدود العرض الثنائي إلى مستوى التأمل في الخط الفاصل بين الاثنين، مرة ستاراً يحجب ومرة مرآةً تكشف.

ولعل ما يعزز هذه الثنائية هو طبيعة الخط ذاته، فالخط عند وليد طاهر ليس سوى أداة لتسجيل أثر العابرين، يلتقط جملاً يومية من لافتة أو جدار، ثم يعيد تقديمها ضمن فضاء اللوحة لتتحول إلى شهادة على وجود عابر. أما الخط عند مريم أبو طالب، فهو كائن يستدعي صيغاً تراثية مثل المعلقات، لتصبح الحروف هنا بمثابة قصائد بصرية تقف بين الماضي والحاضر. وعبر هذا التقابل، يبدو أن الفنانَيْن يتحدثان اللغة نفسها، لكنْ، كلٌّ منهما يستخدمها بلهجة مختلفة.

ما يميز هذا اللقاء أن أعمال الاثنين لا تُقرأ في عزلة عن سياقها الأوسع، فطاهر، القادم من خبرة الكاريكاتير والكتابة للأطفال، يظل مشغولاً بما هو إنساني عابر، ساخراً حيناً ومأزوماً حيناً آخر. أما أبو طالب، القادمة من عالم التصميم والحروفيات، فتنطلق من الحرف لتعيد تشكيله في سياقات جديدة، متأرجحة بين الحائط الممتد والورقة الصغيرة، بين الجماعي والفردي. هذا التنوع يمنح المعرض ثراءً بصرياً وفكرياً، ويجعل منه مساحة يلتقي فيها المشاهد مع أسئلة تخصه هو أيضاً، حول الطريقة التي نقرأ بها الحرف، هل نراه نصاً أم صورة؟ وهل تكفي الكتابة لتسجيل الذاكرة، أم أننا نحتاج إلى الفن ليكمل ما تعجز عنه اللغة؟

المساهمون