مروان نصار.. بورتريهات من غزّة

25 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 07:45 (توقيت القدس)
من المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الفن كوسيلة للذاكرة والتوثيق: يتجاوز الفن في غزة الجماليات التقليدية ليصبح وسيلة لتوثيق الذاكرة الفلسطينية، كما يظهر في معرض "أن تنجو لتشهد" لمروان نصار، الذي يضم ستون عملاً توثق مشاهد التهجير والقصف والموت.

- تنوع الأساليب الفنية وتسجيل الحدث: يستخدم نصار أساليب متنوعة مثل الرسم التخطيطي والتجريدي، معتمداً على الألوان الزيتية والأكريليك والفحم، مما يعكس رغبته في تسجيل الأحداث من زوايا مختلفة.

- ثنائية الحياة والموت والبعد النفسي: تنقل أعمال نصار وجوهاً متعددة للحياة في غزة، وتبرز ثنائية الحياة والموت والمقاومة والفقد، مما يعكس الشعور بالخذلان أمام تراجيديا الموت.

يتجاوز الفن القادم من غزة حدوده الجمالية التقليدية، ليصبح وسيلة لاستمرار الذاكرة الفلسطينية بالإنتاج والتراكم، ومنها أعمال مروان نصار في معرضه الشخصي "أن تنجو لتشهد" الذي افتتح أول أمس السبت في غاليري باب الدير بمدينة رام الله، بالتعاون مع منصة آرت زون فلسطين، ويستمر حتى نهاية الشهر المقبل.

ستون عملاً فنياً مطبوعاً تُعرض للزوّار لعدم إمكانية نقل الأعمال الأصلية من القطاع، وهي تقدّم أرشيفاً وشهادة في آن، تتوزع بين مشاهد التهجير والقصف والموت، وتوثيق لحظة التجويع التي أودت بحياة مئات الأطفال وكبار السن والنساء.
ويكتسب المعرض بعداً إضافياً عبر تعاون الفنان مع منصة "آرت زون فلسطين" التي أخذت تعمل على حفظ وأرشفة ما دمر أو سرق أو أُزيل من نتاج بصري فلسطيني، من خلال جمْع أكثر من 300 عمل لنصار وعرضها افتراضياً.

تسجيل الحدث

تنوعت أساليب نصار بين الرسم التخطيطي، التجريدي، والتعبيري، مستخدماً الألوان الزيتية والأكريليك على الورق، إلى جانب الفحم، أقلام الرصاص، والألوان المائية. بعد أن كان يستخدم القماش خامة للرسم قبل الحرب. هذا التنوع يعكس رغبته في تسجيل الحدث من زواياه المختلفة، وفي الوقت نفسه يشي بالضرورة التي فرضتها الظروف. الحرب لم تمنح الفنان مساحة للتأمل أو التخطيط البنائي في تطوير مشروعه بمعزل عما يحدث، بل ألزمته بالعمل المباشر، بالسرعة نفسها التي تتغير فيها تفاصيل الواقع، فتصبح اللوحة شبيهة باللقطة الفورية، لكنها تحمل أيضاً كثافة رمزية تتجاوز التوثيق المباشر.

في لوحاته يركب حنظلة الحمار ذاهباً نحو حقول غزّة قبل الحرب

يقول الباحث محمود أبو هشهش في تقديم المعرض "تتجه تجربة الفنان من التوثيق السريع لفظائع الحرب نحو التكثيف والتأمل في البورتريه، بحثاً عن ملاذ داخلي ومعنى للوجود والجدوى في مواجهة العبث".

ثنائية الحياة والموت

تنقل أعمال نصار وجوهاً متعددة للحياة في غزة، من عربات الحمير التي تكدّست عليها النساء والأطفال وحقائب قليلة وخزانات مياه متنقلة، والطوابير البشرية التي تنتظر رغيف خبز أو صحن طعام، كذلك تجمعات العائلات للحصول على الماء. 

من المعرض (العربي الجديد)
من المعرض (العربي الجديد)

في مقابل هذه الصور القاسية، تظهر بعض الأعمال التي أنتجت قبل الحرب بأيام قليلة، يستعاد من خلالها ذاكرة المكان ومفارقة الحياة والموت معاً لعمل يظهر شابين يقفان على شاطئ بحر غزّة مع قاربهم يهمّان بدخول البحر، وفي عمل آخر يرسم حنظلة؛ الشخصية التي ابتكرها ناجي العلي، وهو يركب الحمار ذاهباً في اتجاه الحقول.

من أبرز لوحات نصار التي رُسمت حديثاً، يظهر فتى بخلفية زرقاء، يبدو عليه الإعياء الشديد بسبب التجويع، بلون داكن وشاحب، وجسد هزيل، يحمل بين يديه رغيف خبز أو لعبة أو شيئاً ما، وفي عمل آخر لشاب يجلس نصف عارٍ بخلفية زرقاء أيضاً وهو يلعب بيديه بالمثلث الأحمر الذي ارتبط بعمليات المقاومة في غزة. يحمل هذان العملان تهكماً واضحاً وسخرية عالية في ثنائية الحياة والموت، المقاومة والفقد، وتقدم مفارقة واضحة بين نموذجين مختلفين، تدلل على المفهوم القيمي والأخلاقي في الحروب وآثارها. في الوقت الذي يجابه المقاومون جنوداً مدججين بالسلاح للدفاع عن وجودهم.

البعد النفسي والدرامي

تتميز تجربة نصار بقدرته على رصد بعض المشاهد بحساسية مفرطة غلب عليها البعد الدرامي. وفي أحيانٍ أخرى، يكرر استحضار شخصية وحيدة في لوحاته، مما يعكس الشعور بالخذلان أمام تراجيديا الموت، حين يفقد الإنسان قيمته ويصبح رقماً بلا قصة أو حلم. فتحت مشاهد الموت العنيف المعادة لآلاف المرات، فقَد الموتى أبسط حقوق عائلاتهم في إقامة طقس أخير للوداع.